مأمور بملاقاته كما يُسْتَفَادُ ذلك من الحديث؛ قال الطبري:
"وكان موسى قد حَدَّثَ نفسه أنه ليس أحد أعلم منه أو تَكَلَّمَ به، فمِن ثَمَّ أُمِرَ أن يأتي الخَضِرَ".
الوَجْه الثَّانِي: أن ما فعله الخَضِرُ -عليه السلام- كان مأمورًا به، ولم يفعله من عنده؛ لقوله تعالى:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}[الكهف: ٨٢]، وقد ذهب المفسرون إلى أن الأمر ههنا هو الوحي -وفي مقدمتهم الرازي-؛ بحجة استحالة قتل غلام ونحوه، من غير حصول وحي قاطع يأمر بذلك، فهل مشايخ الصوفية مأمورون من اللَّه بفعل المنكرات المخالفة لأوامره ونواهيه، ودينه الذي أتمه وارتضاه لعباده؟ وهل يحصل لهم الوحي في ذلك كما حصل للخَضِرِ -عليه السلام-؟ إن قالوا بحصول الوحي: فإنهم حينئذٍ دَجَاجِلَة، لا فرق بينهم وبين مسيلمة الكذَّاب.
وإن نَفَوْا أن يكونوا قد فعلوا هذه المنكرات بمقتضى وحي ما،، فإنه حينئذ يُقَالُ لهم: ما تفعلونه مخالف لما أوحاه الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا وجه يَصِحُّ في استدلالكم بقصة الخَضِرِ، وبأفعاله التي كانت وَحْيًا، ولم يفعلها عن أمره؟!
الوَجْه الثَّالِث: أنهم باستدلالهم بقصة موسى والخَضِرِ ينتقصون من مكانة وقدر موسى -عليه الصلاة والسلام-؛ فإنهم يُنَزِّلُونَهُ منزلة العوامِّ الذين يرون ظواهر الأعمال، ولا يتفطنون إلى معرفة حقائقها.
وهم -أي مشايخ الصوفية- يَدَّعُونَ أنهم يعرفون ذلك، ويُقَدِّمُونَ بذلك دَرَجَةَ العارف "الصوفي" على رتبة النبي (١) جاعلين موسى في مصافِّ العوامِّ الذين لم ينالوا درجة الصوفي العارف.