الوَجْه الرَّابع: أنه لا يجوز الخروج على شريعة النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى شريعة أخرى، وهذه القصة حدثت في بني إسرائيل لم نُؤْمَرْ بالتعبد بفعلها، قال -تعالى-: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة: ١٣٤].
فقد أمر اللَّه -تعالى- مريم وزكريا أن يُمْسِكَا عن الكلام ثلاثة أيام بقوله:{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}[مريم: ٢٦].
وقوله لزكريا -عليه السلام-: {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}[مريم: ١٠]؛ فهل يجوز أن يتخذ أحد من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- من هذا الصيام عبادة له؛ فيصوم عن الكلام؛ مُسْتَدِلًّا بورود ذلك في القرآن؟ ومعلوم أن الخَضِرَ وموسى- بل وسائر الأنبياء -عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم- لو كانوا أحياء لما وَسِعَهُمْ إلا أن يتبعوا شريعة النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن النبي كان يُرْسَلُ إلى قومه خاصَّةً، ونبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- أُرْسِلَ إلى الناسِ عامَّة -إِنْسِهِمْ وجِنِّهِمْ- وحين يَنْزِلُ المسيح آخر الزمان؛ فإنه يحكم بين الناس بشريعة القرآن، لا يحكم بإنجيل ولا توراة.
والمسيح -عليه السلام- هو من الرسل الخمسة أولي العزم، وهو خاتَم أنبياءِ بني إسرائيل، ومع هذا فإنه يَتَّبعُ ما أنزل إلى نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويحكم بين الناس فيه.
الوَجْه الخَامِس: أن موسى والخَضِر -عليهما السلام- لم يخرجا عن الشريعة والنصوص في شيء، وإنما كان موقف موسى مع الخَضِرِ كموقف المُجْتَهِدِ المتمسك بعموم الدليل مع صاحب النص الخاصِّ المتمسك بالدليل الخاصِّ، وكلاهما على الدليل يعتمد، ومن الشريعة يستقي؛ لأن هذا مأمور، وذاك مأمور.