للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوَجْه السَّادِس: أنَّ الخَضِرَ -أولًا- لم ينكر على موسى إنكاره عليه مطلقًا،

بل أنكر عليه إقدامَهُ على الإنكار قبل أن يسأله عن مأخذه الشرعي، مع أنه حَذَّرَهُ أنه لن يستطيع معه الصبرَ على ما لم يُحِطْ به خُبْرًا.

وثَانِيًا: أنه اشترط عليه ألَّا يسأله عن شيء حتى يُحْدِثَ له منه ذِكْرًا، ولكن كان من شأن موسى -عليه السلام- وطبعه أن يسارع في الحق؛ كما قص اللَّه -تعالى- علينا من خبر إقدامه على قتل القبطي، وأخذه بلحية أخيه هارون ورأسه، وإلقائه الألواح، وقد بادر ههنا إلى قوله: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي} [الكهف: ٧٦].

ولهذا قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى، لَوْ لَبِثَ مَعَ صَاحِبِهِ لَأَبْصَرَ الْعَجَبَ" (١).

فأين هذا من أوامر الصوفية الصريحة بعدم الاعتراض على الشيخ مهما ارتكب من المحرمات الظاهرة، فإن مُجَرَّدَ الاعتراض أو الاستدراك على الشيخ مُوجِبٌ عندهم للمقت، والطرد من رحمة اللَّه، وسلب المال، والسقوط في امتحان الشيخ؛ كما يُلَفِّقون.

الوَجْه السَّابع: أن إنكار موسى يُستدل منه على أن الفطر السليمة -الخالصة من شوائب العبودية، والتقديس لغير الحق الذي أنزله الله- لا بد وأن تُنْكِرَ المُنْكَرَ، وكل الناس مأمورون بذلك؛ عَمَلًا بقوله -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠]، ولم يُسْتَثْنَ من هذه الآية شَيْخٌ، ولا ولي، بل ولا صحابي أو تابعي، وقد كان الصحابة يُنْكِرُ الواحد منهم على الآخر إن خالف في شيء ما، فإذا كان ذلك يقع بين الصحابة -وهم أفضل أولياء اللَّه على الإطلاق- فما بالك بأولياء


(١) انظر: "تفسير الطبري" (١٥/ ١٨٦)، و"فتح الباري" (٨/ ٤٢٤).

<<  <   >  >>