ويتضح مما سبق أن المذادين عن الحوض هم القبائل المرتدة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو المنافقون -كما مر- وليسوا صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما زعمت الشيعة الاثنا عشرية. فأحاديث الحوض رواها الصحابة أنفسهم؛ أكثر من خمسين صحابيًّا، فكيف يُعقل أن يرووا من الأحاديث ما يدل على كُفْرِهم وردتهم مع اعتقاد الاثنى عشرية- إلا من شذ منهم- أن الصحابة حذفوا الآيات التي تحدثت عن مثالبهم، فَلِمَ لم يكتموا هذا الحديث، مع عظم ضرره إن كان يعنيهم؟ فدلَّ على أنه ليس المراد بهم أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-. قال الخطابي فيما نقله عنه ابن حجر: "ولم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة لهم الدين. [وعند الكرماني: "ممن لا بصيرة له في الدين". "الكواكب الدراري" (١٧/ ١٠٦)]، وذلك لا يوجب قدحًا في الصحابة المشهورين"، ثم قال: "ويدل قوله: (أصيحابي) [كما في حديث أنس المتفق عليه]-بالتصغير- على قلة عددهم". اهـ. "فتح الباري" (١١/ ٣٢٤). وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أصيحابي" -بالتصغير- مذكور في العديد من مصنفات الشيعة كما في "مجمع البيان" (١/ ٤٨٥)، وهي تدل على قلة عدد من ارتد، لا كما تقول الشيعة عن الصحابة: "إنهم ارتدوا جميعًا إلا نفرا يسيرًا". وقد رد ابن قتيبة استدلالهم بهذه الأحاديث فقال: "إنهم لو تدبروا الحديث وفهموا ألفاظه لاستدلوا على أنه لم يُرِد بذلك إلا القليل، يدلك على ذلك قوله: (ليردن عليَّ الحوض أقوام)، ولو كان أرادهم جميعًا إلا من ذُكروا لقال: لَتَرِدُنَّ عليَّ الحوض، ثم لتختلجُنَّ دوني، ألا ترى أن القائل إذا قال: أتاني اليوم أقوام من بني تميم وأقوام من أهل الكوفة، فإنما يريد قليلًا من كثير، ولو أراد أنهم أتوه إلا نفرًا يسيرًا، قال: أتاني بنو تميم، وأتاني أهل الكوفة، ولم يجز أن يقول: "قوم"، لأن القوم هم الذين تخلفوا، وكذلك أيضا قوله: (يا رب أصيحابي) -بالتصغير- وإنما يريد بذلك تقليل العدد" ... إلى أن يقول: "وقد ارتد بعده أقوام منهم عيينة بن حصن، ارتد، ولحق بطليحة بن خويلد حين تنبأ" ... إلى أن قال: "ولعيينة بن حصين أشباه ارتدوا حين ارتدت العرب، فمنهم من رجع وحسن إسلامه، ومنهم من ثبت على النفاق". اهـ. من "تاويل مختلف الحديث" ص (١٥٨، ١٥٩). =