على أعقابِهِمْ منذ فَارَقْتَهُمْ"، رواه البخاري (١).
وعلى تقدير أنه يعلم أحوال أمته بعد وفاته، فلا يلحقه بذلك حرج، ولا يصيبه من وراء كثرة ذنوبهم ومعاصيهم إثم ولا خجل، وقد ثبت في حديث الشفاعة العظمى أن أهل الموقف كُفَّارًا ومسلمين يستشفعون بالأنبياء واحدًا بعد آخر حينما يشتد بهم هول الموقف، فيعتذر كل منهم عن الشفاعة لهم عند اللَّه، ثم ينتهي أهل الموقف إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيسألونه أن يشفع لهم عند اللَّه، فيستجيب لهم، ولا يمنعه من الشفاعة لهم كثرة معاصيهم، أو كفر الكافرين منهم، ولا يخجل من ذلك، بل يذهب فيسجد تحت العرش، ويحمد ربه، ويثني عليه بمحامد يُعَلِّمُه إياها، حتى يأمره أن يرفع رأسه، وأن يشفع لهم، وبعد ذلك ينصرفون للحساب والجزاء، ولم يمنعه شيء من ذلك في لقاء ربه، ومقابلة الملائكة، ولم يَلْحَقْهُ منه عار.
ثالثًا: إخباره بالجزاء العظيم الذي يترتب على كتابة هذه الوصية، ونقلها من محل إلى محل، أو من بلد إلى بلد، وتعيين جزاء الأعمال وتحديده من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا اللَّه، وقد انقطع الوحي إلى البشر بوفاة خاتَم الأنبياء -عليه الصلاة والسلام-؛ فادعاء العلم بذلك باطل، وقد ادعاه الشيخ أحمد المزعوم؛ حيث قال في الوصية المكذوبة: "ومن يكتبها ويرسلها من بلد إلى بلد، ومن محل إلى محل، بني له قصر في الجنة"، وقال: "ومن يكتبها وكان فقيرًا أغناه اللَّه، أو كان مَدينًا قضى اللَّه دَيْنَه، أو كان عليه ذنب غفر اللَّه له ولوالديه"؛ فهو كاذب في ذلك.
وكذا إخباره عن الوعيد الشديد الذي يصيب من لم يكتبها، ويرسلها، وتعيينه إياه بأنه يُحْرَمُ شفاعةَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَيسْوَدُّ وجهه في الدنيا والآخرة؛ حيث قالَ فيها: "ومن لم يكتبها ويرسلها، حُرِّمَتْ عليه