وقد وقف أولئك اليهود، الذين كانوا يتمتعون بتمام الحرية، موقفًا سلبيًّا من المصريين حين (الغزو الفارسي)«٥٢٥ ق. م» لها، وكذلك حين شاركوا في إخماد ثورة المصريين ضد الفرس (٣)، وأما الإغريق فقد رحبوا بـ (الإسكندر)، واحتفوا به حال دخوله لمصر عام «٣٣٢ق. م»؛ مما أوغر صدور المصريين ضدهم، ولذا لم يقبلوا الديانة المسيحية التي جاءتهم على يد المبشرين اليهود واليونان.
(وما أن دخل الإسكندر الأكبر مصر؛ حتى حرص على فتح أبوابها للمهاجرين الإغريق، خاصة المقدونيين)(٤)، وعلى الرغم من قصر الفترة التي قضاها بمصر، إلا أنها حولت مصر إلى فلك الحضارة الإغريقية.
ثم قام (بطليموس)«٣٠٥ق. م»، من بعده بإنشاء مدينة جديدة في صعيد مصر؛ ليوطن فيها الجنود المسرحين المقدونيين ... ومكانها الآن (المنشأة) بمحافظة سوهاج، ... وقد أقام هذه المدينة؛ لكي تكون مركزًا لنشر الحضارة الهيلينية في قلب مصر (٥).
وقد فعل الرومان نفس الأمر أيضًا؛ فقد كان الجندي بعد أن يقضي حوالي ربع قرن في الخدمة، يقوم بالتوطن في البلاد، وشراء الأراضي، وربما الزواج أيضًا في أثناء الخدمة، إلا أن الاعتراف القانوني كان يتم بعد الانتهاء من الخدمة بالجيش.
وعندما تعلم أن مصر في عهد (أوكتافيانوس)، كان بها ما يزيد على اثنين وعشرين ألف جندي، وأنه انخفض في بعض الأوقات إلى ١٦ ألف و١١ ألف؛ فلك أن تتخيل كمّ أولئك الجنود الغرباء الذين استوطنوا مصر على مدار ألف عام؟!
٣٠٠ عام من حكم البطالمة، ٣٢٠ عام تقريبًا من حكم الرومان، و ٣٢٥ عام الحكم البيزنطي (٦).
ويذكر (بيللينى): (أن قبائل عربية كانت تعيش في برنيقى؛ وهي ميناء على البحر الأحمر، يعود الفضل في إنشائها إلى بطليموس الثاني)(٧)، إضافة لما ذكره (سترابون) من أن مدينة (قفط)، كانت تعد مدينة عربية.
وهكذا، فإن مصر لم تعرف العنصرية منذ القدم، وامتزجت بسماحتها مع جميع الأجناس،
إلا أن الأكثرية كانت لليهود والإغريق القادمين من جزر (بحر إيجة)، والذين بلغوا من الكثرة حدًّا جعلهم ينازعون المصريين في بلادهم، وبخاصة الإغريق الذين قاموا بتغيير اسم البلاد من أرض مصر إلى أرض (إيجي) ـ إيجبتوس ـ،