مصر منه بصورة أشد من غيرها، وهو ما عرف باضطهاد (دقلديانوس) وتطلق عليه الكنيسة عصر الشهداء؛ ولقد قاسى من هذا الاضطهاد علية القوم وأكابرهم، وكان منهم كبار موظفي وضباط الجيش والأغنياء، ومن المعلوم أن المصريين الخُلَّص كانوا محرومين من الخدمة في الجيش، أو تقلد الوظائف الرسمية بالدولة؛ ولذا فطبقة المسيحيين من العمال والفقراء والذي كان أغلبهم من المصريين لم يمسهم كبير سوء (١٨).
الغرباء يُكرهون أهل البلاد على ترك ديانتهم
وحقيقةً أن السوء قد مس المصريين الخُّلَص من المسيحيين والوثنيين على حد سواء، حين أعلن الإمبراطور الروماني ... (ثيوديوس) في عام ٣٩١م المسيحية ديانة رسمية، ولكن طبقًا لـ (قانون الإيمان النيقاوي)، والذي ينص على تأليه المسيح:
يقول (جاك تاجر) أن: (مسيحيِّو مصر تركوا ديانة أجدادهم مكرهين، لأن ديانة الفراعنة ومعابد الفراعنة وآلهة الفراعنة كانت تذكرهم بمجد مصر في مختلف عهودها) [«مسلمون وأقباط»: ص١١].
أي أن المصريين بدايةً من القرن الخامس إنما دخلوا في المسيحية مكرهين، حينما تم الاستيلاء على معابدهم وحولت إلى كنائس وأديرة، تلك المعابد التي هي ملك للمصريين، وليس لليونان واليهود فيها أي حق حتى وإن كانوا مسيحيين، حيث يقول (جاك): (ولما زالت عبادة الأصنام، وكفت السلطة عن حمايتها، لم يستطع المصريون تلافي المسيحية)(١٩).
هذا بالنسبة للوثنيين، أما المسيحيون من المصريين الخُلَّص فحدث ولا حرج، حيث كانوا يختلفون عن اليهود والإغريق في المعتقد وفي الأناجيل المعترف بها، يرشد إلى ذلك مجموعة المخطوطات التي وجدت بالقرب من نجع حمادي بمحافظة قنا، التي تقع في أقصى جنوب مصر، وفي ذلك دلالته، إذ أنها لم توجد بمدينة الإسكندرية ذات الأغلبية اليونانية والهوية الإغريقية، أو في بطليمية (سوهاج)، أو إرسينوي (الفيوم)، أو غيرها من المدن التي كان يكثر بها أولئك المسيحيون الأغراب، وإنما وجدت في مدينة بعيدة عن السلطة المركزية، ويضعف فيها سلطان أولئك القائلين بالصلب وألوهية المسيح، في حين أن تلك المخطوطات تهزأ من تلك المعتقدات.
ففي بعض مما ورد بمكتبة نجع حمادي القبطية عن موت يسوع المسيح في كتاب «كشف بطرس Apocalypse of Peter» يقول الكتاب الذي لا يحتوي على فقرات مرقومة: (وقلت ما هذا الذي أراه يا سيدي؟ أهذا أنت نفسك الذي