وكذلك ما تم من تغيير لأسماء المدن، فمثلًا (إرسنيوي) بدلًا من (الفيوم)، و (بانوبوليس) بدلًا من (أخميم)، ... و (هيراكليوبوليس) بدلًا من (أهناسيا)، و (هرموبوليس) بدلًا من (الأشمونين)، إضافة إلى (نوكراتيس) و (بطلمية) وغيرها من المدن؛ مما يبين لك مدى ما كان للإغريق من غلبة على سكان مصر الأصليين، ويوضح عميق حزنهم وجرحهم من المسلمين حين فتحوا مصر؛ فعادت لأهلها وفقدوا ما كانوا عليه من غلبة وتمييز.
[كثرة اليهود والإغريق بمصر]
تقول (بتشر): (أن سكان مصر قبل استيلاء الرومان عليها؛ كانوا ثلاثة طوائف: اليونان واليهود والمصريين، وأن ذلك كان بسبب موجات الهجرة في العهد البطلمي، حتى أصبح كل فريق منهم أمةً أجنبيةً مُستقرة في البلاد، ممتازة بشريعتها ولغتها عن سواها)(٨).
ولك أن تتخيل ذلك، عندما تعلم أن المؤرخ اليهودي (يوسفيوس) ـ يوسف ـ ذكر أن عدد اليهود بمصر كان لا يقل عن مليون نسمة، في عهد (فلاكوس)، حاكم مصر عام ٣٨م؛ وقد تابعته على ذلك (بتشر) في كتابها [«تاريخ الأمة القبطية»(١/ ٨)]، وأضافت:(أنه في عام ٧٠م، بعد سقوط الهيكل؛ اقتيد لمصر ٩٧ ألف يهودي، ليعملوا في معادن مصر بالأخص، بالإضافة إلى عدد غفير تبعهم، رجاء أن يجدوا عونًا لدى يهود مصر الأغنياء) [المصدر السابق: (١/ ٣٨)].
هذا مع العلم أن (يوسفيوس)، قدر عدد سكان مصر في ذلك الوقت بسبعة ملايين ونصف، أي أن ما يقرب من عشرين بالمائة من السكان كانوا يهودًا ولم يكونوا مصريين.
وأما الإغريق فكانوا أكثر عددًا من اليهود، ولم يكونوا يرون أنفسهم أمة أجنبية كما تقول (بتشر)، بل منذ دخول الإسكندر لمصر؛ كانوا يرون أنفسهم أهل البلاد وأصحابها؛ وقد كانت السلطة تتعامل معهم أيضًا من هذا المنطلق،
(فكانوا يتمتعون بجميع أنواع الحريات في ذلك العصر؛ من حمل للسلاح، وعضوية المجلس البلدي الشعبي، وغيرها من الحريات)(٩).