للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقرأت في المختصر من كتاب الحسن بن عبد الله العسكري (١) رحمه الله أن إبراهيم بن أدهم رحمه الله كان يستقي الماء بصورٍ للناس بالأجرة فإذا مرّ به جيش إلى مصر قطع الحبل لئلا يسقيهم، وكان يضربون رأسه ويستدلّون الطريق فيتخارس عليهم ولا يدل لهم (٢). قلت: وكان يفعل ذلك لئلا يكون من أعوان الظلمة، فكيف بأقوام يأكلون طعامهم ويطلبون منهم الدنيا بالدّين ويصادقونهم، فويل لهم ولمن زعم أنهم صالحون ولا يعتقد أنهم مفسدون فاسقون ما أسوء حالهم وأقوى ضلالهم، وما أبعدهم من أهل الحقّ وأبغضهم إليه، عافانا الله وإيَّاكم يا أخوتي مما ابتلى به خصومنا من القفازين أهل الحوادث في الدين. ألا فهؤلاء الجهّال هلا اتبعوا هؤلاء العبّاد من الشيوخ والفقراء فيما صحّ عنهم [ق ٤١ /ب] من إتباعهم للكتاب والسنة، ويتركوا ما قيل عن بعضهم من الشبهات مع أنّه لا يصحّ عن أحد من علماء الإسلام ولا عن عبّادهم وما ذكرناه من أخلاق المتقدّمين وآدابهم وسيرهم كله يدل على ضلالة قوم من أهل زماننا نبذوا بهم زورًا وبهتانًا واسمًا دون رسم؛ لأنهم خالفوا السلف الصالح عقدًا وقولاً وفعلاً. ألا فما ذكرناه من سيرتهم وطريقتهم ومجاهداتهم وغير ذلك من أفعالهم وأحوالهم وأقوالهم يقمع النفوس عن الرقص واستماع الغناء والشبابات، ويخمل الطباع عن النظر إلى المرد وغيرهم، ويقطع شهوات النفوس عن كل ما يؤذي القلوب ويفند عن علاّم الغيوب. ألا فاعتبروا وتدبّروا هذه القاعدة وليتأسى المتأسي منكم بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان رحمة الله عليهم أجمعين، عصمنا الله وإيّاكم من الفتن والبدع ما ظهر وما بطن وسلك بنا وبكم طريق الجدّ والورع، وأعاننا وإياكم على هول (٣) المطلع (٤)، وأعطانا وإيَّاكم الأمان يوم الفزع، إنه برٌّ رءوف رحيم.


(١) أشار بروكلمن إلى وجود مختصر من كتاب الفروق لأبي هلال اختصره أحد تلامذة العسكري بعنوان "اللمع في الفروق" نشر في بولاق، وهو كتاب مجهول المؤلف يقع في خمس وثلاثين صفحة لا يعتمد الترتيب أو التبويب، إنما هو كما قال صاحبه "شذرة علقها من كتاب الفروق لأبي هلال العسكري".
(٢) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٧/ ٣٧٩).
(٣) في الحاشية: " الهول: المخافة".
(٤) في الحاشية: "المطلع: موضع طلوع".

<<  <   >  >>