للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: "وعلى ظهره خرقة قد تردى بها". قال: "فأتاه رجل فقال له: كيف أصبحت؟ أو كيف أمسيت؟ قال: أصبحت أحب الله وأمسيت أحمد الله عز وجل وما تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظنّ أن لا يمسى، وإذا أمسى ظنّ أن لا يصبح، إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحًا، وإنّ حق الله في مال المسلم لم يدع له في ماله ذهبًا ولا فضة، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع للمؤمن صديقًا بأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ويجدون على ذلك أعوانًا من الفاسقين حتى والله لقد رموني بالعظام وأيم الله إني لأدع أن أقوم فيهم لله عز وجل [ق ٢٣ /أ] بحقه، ثم أخذ الطريق" خرجتها من كتاب "صفة أهل الصفوة" (١) لابن الجوزي رحمة الله عليه ألا أيها، فما ذكرناه عن النبي صلى الله عليه وسلم من صفة المؤمنين، وما ذكرناه من صفة أويس رضي الله عنه ومن صفات الصحابة والصالحين من بعدهم، فأعرضوا ذلك على صفات مشايخكم وفقرائكم، وعلى سريتهم وطريقتهم وآدابهم، فإن وافق وإلا فقهم زنادقة.

فصل

وروى الحسن البصري رضي الله عنه قال: "قلب المؤمن من وراء لسانه إذا همّ بشيء تدبّره، فإن كان خيرًا

تكلم به وأبداه، وإن كان غير ذلك سكت عنه وأخفاه، وقلب المنافق على طرف لسانه إذا همّ بشيء تكلم به وأبداه" (٢). وقال الحسن: "ما تكلمت ولا مشيت ولا نظرت قطّ إلا تفكّرت هو ليّ أو عليّ" (٣). وحكى أن إبراهيم أدهم رحمة الله عليه رأى رجلاً يتكلم بكلام الدنيا فوقف عليه وقال: "كلامك هذا ترجو به الثواب؟ قال: لا. قال: فتأمن عليه العقاب. قال: لا. قال: فما تصنع بكلام لا ترجو عليه ثوابًا ولا تأمن عليه عقابًا عليك بذكر الله عز وجل إن أردت السلامة" (٤)، ولقد أحسن القائل (٥):

أيّها الجاهل الذي ضل يسعيٍ ... في اكتساب الذّنوب سعيًا قبيحًا [ق ٢٣ / ب]

اغتنم ركعتين في ظلمة الليـ ... ل إذا كنت فارغًا مستريحًا

وإذا ما هممت بالنطق في الباط ... ل فاجعل مكانه تسبيحًا

لا تطيلنّ في كلامك سهوًا ... والزم الصمت كي تكون نصوحًا

فالتزام السكون خير من النطـ ... ق ولو كنت في الكلام فصيحًا

ألا فعليك بذكر الله عز وجل، فإن بذكر الله تطمئن القلوب.


(١) صفة الصفوة (٢/ ٣٠).
(٢) صحيح - رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٧/ ١٨٦) (٣٥١٩٠) بسند رواته ثقات.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) إسناد ضعيف - أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ١٦) فقال: حدثت عن أبي طالب بن سوادة ثم ساق إسناده، وذكره بنحوه، وفيه جهالة شيخه.
(٥) أخرج ابن أبي الدنيا في "الصمت" (ص/٢٨٩) (٦٥٥)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (٧/ ٩٩) (٤٧٣٢) عن أبي حفص مولى بني هاشم، عن أبي زيد محمد بن حسان، قال: سمعت ابن المبارك، يقول: "
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله ... إذا كنت فارغا مستريحا
وإذا ما هممت بالنطق في الباطل ... فاجعل مكانه تسبيحا
فاغتنام السكوت أفضل من خوض ... وإن كنت في الحديث فصيحا"
وإسناده ضعيف، قال ابن حبان عن أبي جعفر " لا يجوز الاحتجاج بهذا الشيخ"، وقال ابن حجر عن شيخه: "صدوق لين الحديث". ورواه البيهقي عقبه بسند فيه عبدالله بن عبدالوهاب الخوارزمي، وقال عنه بن حبان: "في حديثه نكارة"، وفيه جماعة لم أعرفهم، وله أسانيد أخرى بنحوه عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٣٢/ ٤٥٩ - ٤٦١)، وعند الخطيب في "اقتضاء العلم العمل" (ص/ ١٠٥) (١٨٠) تشهد أن له أصلا.

<<  <   >  >>