للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

وقد ذكر بعض الملحدين (١): الرقص واحتج بحديث لعب الحبشة بالحراب، وإن في بعض الألفاظ: "يزفنون" (٢) والزفن الرقص. وجوابه: أن زفنهم نوع من المشي بثوبين يفعل ذلك عن الحرب ولقاء الأعداء، فأين هو من رقص هؤلاء المخانيث تواجدا ولهم حركات وانخلاعات ولا تقاس حالهم بأولئك، فإنّهم لعبوا بآلة [ق ٥٣ /أ] الحرب، وقد أبيح فيها ما لا يباح في غيرها. قال بعض العلماء: احتج بعضهم بقوله تعالى لأيوب المبتلى صلوات الله وسلامه على نبيّنا وعليه: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: ٤٢]، وقال: هذا احتجاج بارد؛ لأنه لو كان أمر بضرب الرِّجل فرحًا لكان حالهم فيه شبهة، وإنما أمر بضرب الرِّجل لينبع له الماء. قال ابن عقيل رحمه الله: أين الدلالة في مبتلى أمر عند كشف البلاء بأن يضرب الأرض برجله لينبع الماء إعجازا الرقص، ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد انحلّها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الإسلام جاز أن يجعل قوله عز وجل لموسى بن عمران {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} [البقرة: ٦٠] دلالة على ضرب المحاد بالقضبان -نعوذ بالله من التلاعب بالشرع والخذلان. واحتج الآخر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: "أَنْتَ مِنِّي" فحجل، وكذلك جعفر وزيد رضي الله عنهما (٣)


(١) في الأصل: " المحدثين" وصوبت في الحاشية إلى ما أثبته، والملحد هو الطاعن في الدين، المائل عنه، والأولى أن عموم هذا المعنى غير مقصود، بل هو مائل عن الحق في هذه المسألة، وقد يكون متأولا، أو مقلدا ونحو ذلك.
(٢) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٢/ ٦٠٩) (٨٩٢) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) حسن - أخرجه النسائي في "الكبرى" (٨/ ٩) (١٥٧٧٠)، وأحمد في "مسنده" (٢/ ٢١٣) (٨٥٧)، والبيهقي في "الآداب" (ص/ ٢٥٧) (٦٢٦)، والضياء في "المختارة" (٢/ ٣٩٢) (٧٧٨) من طريق أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ - وزاد النسائي: وهبيرة بن يريم - عن علي قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وجعفر، وزيد، قال: فقال لزيد: " أنت مولاي " فحجل، قال: وقال لجعفر: " أنت أشبهت خلقي وخلقي "، قال: فحجل وراء زيد، قال: وقال لي: " أنت مني، وأنا منك "، قال: فحجلت وراء جعفر" وهانئ قال عنه في "التقريب": "مستور"، وقال عن ابن يريم: "لا بأس به".

وقال البيهقي عقبه: (والحجل أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح، فإذا فعله إنسان فرحا بما أتاه الله تعالى من معرفته أو سائر نعمه فلا بأس به. وما كان فيه تثن وتكسر حتى يباين أخلاق الذكور فهو مكروه لما فيه من التشبه بالنساء).

<<  <   >  >>