للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا فيتأسى المتأسي بهؤلاء السادة الأبرار والقادة الأخيار من المشايخ والفقراء وأهل العلم والعبادات والكرامات [ق ٣٧ / ب] وبالأولياء لا بالمنافقين المخالفين الغوغاء أهل الزيغ والضلالة الظلماء الذين لهم صيت وذكر عند الملوك والسلاطين والأمراء والأغنياء، وعند العامة الذين هم أهل الجهل والعمى والخلاف للعلماء الذين مقتهم آلة الأرض والسماء. والعامة اسم مشتق من العمى ما رضي الله عز وجل أن يشبه بالأنعام حتى قال عز من قائل: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤].

فصل

وروي أن محمد بن عبد العزيز العبّاسي رحمة الله عليه قال: مضيت يومًا في صحبة خالي إلى عثمان بن عيسى الباقلاء، فتلقيناه خارجًا من المسجد إلى داره، فإذا هو شيخ كبير، فقال له خالي: أدع الله لي! قال: يا أبا عبد الله شغلتني انظر ما تظنه فيّ فاجعله فيك، وأدع الله لي! قلت له أنا: بالله أدع الله لي! فقال: رفق الله بك، فاستزدته، فقال: الزمان يذهب والصحائف تختم، وعثمان بن عيسى رحمه الله كان دائم الذكر، وكان يقول: إذا كان وقت غروب الشمس أحسست بروحي كأنها تخرج لاشتغاله في تلك الساعة بالإفطار عن الذكر (١). وروي أن نفرًا من القراء (٢) دخلوا على زجلة العابدة رحمهم الله، فكلّموها في الرفق [ق ٣٨ /أ] بنفسها، فقالت: ما لي [و] (٣) الرفق بها إنما هي أيّام مبادرة، فمن فاته اليوم شيئًا لم يدركه غدًا، والله يا أخواتاه لأصليّن له مهما أقلتني جوارحي ولأصومنّ له أيّام حياتي ولأبكين ما حملت الماء عيناي، ثم قالت أيّكم يكون له عبد يأمره بأمر فيحبّ أن يقصّر فيه (٤). وأقول شعرا:

يا سادة وسط الحُشاشة (٥) خيموا ... رفقا (٦) فديتم بالكئيب فديتم

وسقيتم ورعيتم (٧) ووقيتم ... وكفيتم وحميتم وهديتم

أبعدتم غَبِيّ (٨) لبعد سيرتي ... ما القرب منها أو أراكم عدتم

أفسدتم نظري عليّ فلا أرى ... من بعدكم حسنًا بما غبتم

فدعوا ملامي ليس يجمل أن ترى ... عين الرضا والسخط أحسن منكم

فلئن نظرت إلى جمال سواكم ... فالذنب لي لا تجرعوا إن ملتم

ها قد رضيتُ بحكمكم ما تحكموا ... أو تبعثُ في شرع الهواء ما قلتم

لا تحسبوا إني أحول عن الذي ... ما بيننا يا ساداتي لو حلتم

حاشا وكلا أن يخون دمامكم ... عبدًا محبًا جرتم وعدلتم


(١) أخرجه ابن الجوزي في "حفظ العمر" (ص/٥٤).
(٢) بالأصل: " الفقراء" والتصويب من كتب التخريج.
(٣) غير مذكورة بالأصل.
(٤) أخرجه ابن أبي الدنيا في "محاسبة النفس" (ص/١٣١) (١٣٥).
(٥) وفي الحاشية: "الحشاشة بالضم بقية روح في المريض، أو الجريح".
(٦) وقد رسمت بالأصل: "رفقاء"، وهو تحريف.
(٧) وفي الحاشية: "الرعي بالفتح: الجلوس والإبصار".
(٨) وفي الحاشية: الغبي فعيل بمعنى فاعل وهو قليل الفطنة".

<<  <   >  >>