للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا فاعتبروا بقوم كانوا هذه حالهم وهذه سيرتهم واجتهادهم كيف يحل لقائل يقول أنهم كانوا يرقصون ويستمعون إلى الغناء والطرب والشبابات بحضرة أحداث المرد المغنين، ألا ومن استبصر [ق ٣٨ / ب] من أبناء الملوك فرأى عيب الدنيا ونقص كمالها وفنائها وسرعة انتقالها ووشيك رحلتها وزوالها إبراهيم بن أدهم بن منصور من أبناء الملوك خراسان من كورة بلخ، ولما زهد في الدنيا عن ثمانين سريرًا قال إبراهيم بن بشار: سألت إبراهيم بن أدهم رحمه الله كيف كان بدأُ أمرك حتى صرتَ إلى هذا؟ فقال: غير هذا أولى بك. فقلت: يرحمك الله لعل الله أن ينفعني به يومًا. ثم سألت ثانية فقال: ويحك اشتغل بالله عز وجل، ثم سألت ثالثة فقلت: إن رأيت يرحمك الله أن تخبرني لعل الله تعالى ينفعني به! قال: كان أبي من ملوك خراسان، وكنتُ من المياسير، وكان قد حبّب إليّ الصيد، فبينا أنا راكب فرسي وكلبي معي، وأنا أطرد ذئبًا أو أرنبًا، فحركتُ فرسي نحوه وراءه، فسمعت نداء من ورائي: يا إبراهيم ليس لهذا خُلقت، ولا بهذا أُمرت، فوفقت أنظر يمنةً ويسرةً فلم أر أحدًا، فقلت في نفسي: لعن الله الشيطان، ثم حركت فرسي فسمعت نداءً أعلى من الأول وهو يقول: يا إبراهيم ما لهذا خُلقت ولا بهذا أمرت، فوقفتُ مقشعِّرًا انظر يمنةً ويسرةً فلم أر أحدًا [ق ٣٩ /أ] فقلت: لعن الله الشيطان، ثم حركت فرسي فسمعت من قربوس (١) سَرْجي: يا إبراهيم ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فوقفت وقلت: هيهات جاءني النذير من ربّ العالمين، والله لا عَصيتُ ربي ما عصمني بعد يومي هذا، فتوجّهت إلى أهلي وخلفتُ فرسي وجئت إلى بعض رعاة أبي فأخذت جُّبّة وكساء وألقيتُ إليه ثيابي، ولم أزل أرض ترفعني وأرض تضعني حتى صرت إلى العراق، فعملت به أيَّامًا فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال لي: عليك بالشام، فانصرفتُ إلى مدينة يقال لها المنصورة (٢)


(١) الجزء المرتفع المقوس من السرج، وهما قربوسان.
(٢) بالأصل: " المنصورية"، والتصويب من كتب التخريج ..

<<  <   >  >>