للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي المصيصة، فعملت أيَّامًا، فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت أيضًا بعض المشايخ فقال لي: إن أردت الحلال فعليك بطرسوس فإنّ المباحات فيها والعمل كثير، قال: فدخلتُها، فبينما أنا قاعد على باب البحر؛ إذ جاءني رجل فاكتراني انظر له بستانًا، فتوجهت معه فكنت في البستان أيامًا كثيرة، فلما كان في بعض الأيّام إذ أتى بخادم قد أظل ومعه أصحاب له، ولو علمتُ أنّ البستان للخادم أي للجندي ما نظرته [ق ٣٩ / ب] فقعد في مجلسه، ثم قال: يا ناظورنا! فأجبتُهُ. قال: اذهب فأتنا بأكبر رمّان تقدر عليه وأطيبه، فأتيته به فأخذ الخادم الرّمَّان وكسر رمّانةً، فوجدها حامضة، فقال: يا ناظورنا ما أنت منذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورمّاننا لا تعرف الحلو من الحامض. قلت: والله ما أكلتُ من فاكهتكم، ولا أعرف الحلو من الحامض. قال: فغمز الخادم أصحابَه وقال: ألا تعجبون من هذا! ثم قال: لو كنت إبراهيم بن أدهم ما (١) زاد على هذا، فلمّا كان من الغد حدث الناس بالصفة في المسجد، فجاء الناس عنقًا إلى البستان، فلمَّا رأيت كثرة الناس اختفيت والناس داخلون وأنا هارب عنهم" وكان إبراهيم رحمه الله يأكل من عمل يديه مثل الحصاد، وعمل البساتين والعمل في الطين وشبه ذلك، وكان يومًا يحفظ كرمًا فمرّ جنديّ فقال: أعطنا من هذا العنب. قال: ما أمرني بذلك صاحبه، فأخذ يضربه بالسّوط فطأطأ رأسه وقال: اضرب رأسًا طال ما عصى الله عز وجل، فأعجز الرجل ومضى وتركه (٢). ألا فهل رأيتم من مشايخكم وفقرائكم الذين تزعمون أنّهم من الأولياء والزّهاد؟ [ق ٤٠ /أ] وأنّهم من الصالحين العباد؟ وأنهم من أهل المكاشفات والكرامات مَن ضُرب رأسه يقول مثل ما قال إبراهيم بن أدهم. وقال سهل بن إبراهيم رحمهما الله إبراهيم بن أدهم رحمهما الله فمرضتُ، فأنفق عليّ جميع نفقته، فاشتهيتُ شهوةً فباع حماره، وأنفق عليّ ثمنه، فلمّا تماثلتُ قلت: يا إبراهيم أين الحمار؟ قال: بعناه. قلتُ: على ما أركب؟ قال: يا أخي على عنقي، فحملني ثلاث منازل رحمهما الله (٣).


(١) بالأصل: "وما".
(٢) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٧/ ٣٦٨)، وغيره مختصرا، وذكره الطرطوشي في "سراج الملوك" (ص/١١) مطولا.
(٣) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٧/ ٣٨١)، وغيره.

<<  <   >  >>