للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا حديث موضوع على ابن المسيب وكذب عليه، ثم لو قدّرنا أنه ضرب رجله الأرض فليس في ذلك حجة على جواز الرقص، فإن الإنسان قد يضرب رجله أو يدق بيده لشيء يسمعه ولا يسمى ذلك رقصًا، فما أقبح هذا التعلّق وأين ضرب الأرض بالقدم مرة أو مرتين من رقصهم الذي يخرجون به عن سيمة العقلاء، فسكرهم من أصوات الأغاني ولمشاهدتهم المردان، وقد قيل أن الغزالي رحمه الله قال: "الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالتعب"، ثم إنّ كثيرًا من المنتمين إلى رؤساء الجهّال المشتغلين بالرقص والسماع ينزّهون أنفسهم عن المباحات والقربات، ويزهّدون في زينة الدنيا، ويؤثرون الانقطاع عن أهلها، ويتركون الشبهات من المطاعم وغيرها [ق ٥٤ /أ] ولا يتركون هذا السماع ولا يتحققون الأمر فيه، بل تغلبهم نفوسهم الخبيثة عليه فيتسامحون ويتأولون بأفعالهم مع وجود من يغنيهم عليه؛ لما يوقعون من العوام وغيرهم، ومع ما يتطرّق إليهم من المفسدة ويفضي الحال بين الطائفتين إلى نزاع وفتنة، ولو اتبعوا ما روى الترمذي وصححه عن أبي الحوراء ربيعة بن شيبان رحمه الله قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حفظت منه "دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ" (١)؛ لكان أولى بهم، وقد روي عن أبي عمر الزجاجي (٢)


(١) صحيح - أخرجه الترمذي في "سننه" (٤/ ٦٦٨) (٢٥١٨)، وقال: "حديث صحيح"، والنسائي في "سننه" (٨/ ٣٢٧) (٥٧١١)، والطيالسي في "مسنده" (٢/ ٤٩٩)، وأحمد في "مسنده" (٣/ ٢٤٨) (١٧٢٢)، والدارمي في "سننه" (٣/ ١٦٤٨) (٢٥٧٤)، وابن خزيمة في "صحيحه" (٤/ ٥٩) (٢٣٤٨)، وابن حبان في "صحيحه" (٢/ ٤٩٨) (٧٢٢)، وغيرهم من طريق شعبة، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء السعدي عن الحسن مطولا ومختصرا به، ورواته ثقات.
(٢) هو محمد بن إبراهيم بن يوسف، أبو عمرو النيسابوري الزجاجي الزاهد. المتوفى: ٣٤٨ هـ، نزيل الحرم. كان أوحد مشايخ وقته. صحب الجنيد، وأبا الحسين النوري. وبقي شيخ الحرم مدة. وحج بضعا وخمسين حجة. وله كلام جليل في التصوف. . وله ترجمة في "تاريخ الإسلام" (٧/ ٨٦٨)، و"البداية والنهاية" (١١/ ٢٦٧)، وغيرهما ..

<<  <   >  >>