للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجوابه: أن يقال له يمكن أن يكون هذا كقوله عليه السلام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًّا قام فبال ناحية المسجد فيتناوله الناس فقال لهم رسول الله عليه السلام: "دعوه" (١). وفي حديث أنس رضي الله عنه: "أن أعرابيًّا جاء فبال في طائفة [المسجد] فرجزه الناس فنهاهم النبي عليه السلام" (٢) فلا فرق بين إنكاره على أبي بكر رضي الله عنه وبين إنكاره على الصحابة رضوان الله عليهم في إنكارهم على الأعرابي حين بال في المسجد، فإن أبحتم الغناء بهذا، فيلزمكم أن تبيحوا البول في [ق ٥٦ / ب] المساجد والسلام. وأحد الوجوه في الردّ عليهم أن يُعرف أوَّلاً حقيقة الغناء، ثم يفسر عليه الحديث، وذلك لأن العناء في لغة العرب رفع الصوت، تقول العرب: غنى فلان. إذا رفع صوته حكى الخطابي عن أبي عاصم قال: أخذ بيدي ابن جريح فوقف بي على أشعب الطامع فقال: غنِّ ابن أخي بما بلغ من طمعك! فقال بلغ من طمعي أنّه لم يزف بالمدينة عروسًا إلا كنست بابي طمعًا أن تهدى إليّ" (٣). يعني بقوله غنّ، معناه أخبرني جاهرًا ومصرحًا، ثم اقترن به عرف الاستعمال فصار المفهوم من هذه اللفظة التلحين والتطريب، فإذًا للفظ الغناء مفهومان لغوي وعرفي، فيحمل الخبر على اللغوي، فقولها تغنيان أي ترفعان أصواتهما بالشعر ونحن لا نذمّ إنشاد الشعر ولا نحرّمه؛ لأنه كلام. وأعدل قول وصف بالشعر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة" (٤)، وفي لفظ: لحكمًا (٥). والشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح (٦)،


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (١/ ٥٤) (٢٢٠).
(٢) أخرجه بهذا اللفظ البخاري في "صحيحه" (١/ ٥٤) (٢٢١).
(٣) معالم السنن (١/ ٢٩٢).
(٤) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٨/ ٣٤) (٦١٤٥).
(٥) إسناده ضعيف - أخرج الطبراني في "لأوسط" (٧/ ٣٤١) (٧٦٧١)، والحاكم في "المستدرك" (٣/ ٧١٠) (٦٥٦٩) من طريق سعيد بن سليمان القسيطي، ثنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، عن أبيه، عن أبي بكرة رضي الله عنه مطولا وفيه قصة، وفيه: «إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكما». وسعيد لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، وموضع الشاهد منه صحيح.
(٦) حسن - أخرج أبو يعلى في "مسنده" (٨/ ٢٠٠) (٤٧٦٠) عن عباد بن موسى الختلي، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر. فقال: «هو كلام .. فحسنه حسن وقبيحه قبيح» وإسناده حسن فيه عبدالرحمن بن ثابت قال عنه في "التقريب": "صدوق يخطئ"، وللحديث طرق أخرى وشواهد لا تخلو من ضعف، وانظر "الصحيحة" (٤٤٧).

<<  <   >  >>