للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيضًا قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمة الله عليه، فإنّه قال: والشعر كالكلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه، وإنما يصبر غناء مذمومًا إذا [ق ٥٧ /أ] لُحِنَ وصنع صنعة تورث الطرب وتزعج القلوب وهي شهوة طبيعته. إنما ذمّ أبو بكر الصديق رضي الله عنه رفع أصواتهما في مجلس النبي عليه السلام وبين يديه؛ لأن خفض الصوت عند النبيّ عليه السلام مأمور به وليس كل من رفع صوته بالغناء لَحَّنَ، وَلَذّ وأطرب، فالممنوع المكروه إنما هو الملذّ أو المطرب. فافهمه، ولم يُعقل من هذا الحديث أن صوتهما كان ملذا، وهذا سرّ المسألة فافهمه. والدليل على صحة هذا أن أبا بكر رضي الله عنه زجرها وأنكر عليهما، ولولا أنه كان يعلم من دين النبي عليه السلام ذم الغناء ما كان ليفتات (١) وبين يديه، وبقوله: بمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما وجه الحديث أن عائشة رضي الله عنها كانت طفلة، وكنت صبايا الأنصار وجوازهم يجتمعون إليها يلعبن عندها، ولا سيّما في الأعياد والفصول، وهذا نحو ما روى أبو داود بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: «كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فَرُبَّمَا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي الْجَوَارِي» (٢)، "فقدم عن غزوة تبوك وفي سهوتي ستر فهبَّب ريح [ق ٥٧ / ب] فَكشفت السّتْر عَن بَنَاتٍ لعَائِشَة فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا هَذَا يَا عَائِشَة" فَقُلْتُ: بَنَاتِي، وَرَأى بَينهُنَّ فرسا لَهَا جَنَاحَانِ من رقاع فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أرى وسطهن. قَالَت: فرس. قَالَ: "وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ " قُلْتُ: جَنَاحَانِ. فَقَالَ: "فرس لَهُ جَنَاحَانِ". قُلْتُ: أما سَمِعت أَن لِسُلَيْمَان خيلاً لَهَا أَجْنِحَة. فَضَحِك النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى بدت نَوَاجِذه" (٣).


(١) بالأصل: "ليتقات".
(٢) صحيح - أخرجه أبو داود في "سننه" (٤/ ٢٨٣) (٤٩٣١) وإسناده صحيح، والحديث أصله في الصحيحين.
(٣) صحيح - أخرجه أبو داود في "سننه" عقب الحديث السابق بإسناد فيه يحيى بن أيوب قال عنه في "التقريب": "صدوق ربما أخطأ" والحديث صححه الشيخ الألباني.

<<  <   >  >>