للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه فنصّ على تحريمه في روايات كثيرة. وقد سئل عن القصائد واستماعها، فقال: "هي بدعة ولا يجالسون". وقال عبد الرحمن المتطبب: سألت أحمد بن حنبل وقلت له: ما تقول في القصائد؟ قال: "بدعة ولا يجالَسون"، وقال: "الغناء ينبت النفاق في القلب". وروى ابن (١) طاهر [ق ٧٢ / ب] سامحه الله (٢) حكايتين (٣) عن الإمام أحمد من استماعه إلى ابن الخبازة (٤) لما كان ينشد القصائد وما تلاه، فالجواب بأن الأولى منها وهي رواية صالح التي نقلها عن أحمد بن علي: محمد بن الحسين الصوفي عن الحسين بن أحمد عن أبي العبّاس الفرغاني عن صالح طريق مظلم ومحمد بن الحسين، فقد نقل كذبه وأنّه كان يضع للصوفيّة الأحاديث، وأما الثانية فالقواس (٥) يقول: أظنّه عن عبد الله بن أحمد والظنّ ليس بكاف في الرواية دون القطع ولم ينقل عن عبد الله بن الإمام أحمد رحمة الله عليهما أنّ أباه كان يستمع الغناء ولا يقاربه وقد كان ملازمًا لأبيه مقتديًا به في كثير من أخلاقه، والصحيح عن صالح ما روى أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال رحمة الله عليه الذي جمع علم أحمد وأخباره وتتبّعها التتبع الشديد، فإنه ذكر في كتاب الجامع قال: أخبرنا زهير بن صالح بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: "كان عندي من يقرأ ويقول قصائد، فقيل لي: إن الشيخ قائمًا يستمع فخرجت فإذا أبي قائمًا يستمع فقال لي: من عندك؟ قلتُ: فلان وفلان [وظل] قائمًا يستمع حتى مضى"، فهذا الطريق بين لكم رحمكم الله أن تلك التي ذكرها عن صالح ليس بصحيحة فإنّها [ق ٧٣ /أ] قضية واحدة وليس في ذلك أكثر من أن الإمام أحمد استمع شعرًا غير مقترن بما يذمّ من الملاهي ونحوها، ولم يستحضره ولا جلس إليه، بل كان واقفًا، والظاهر أنه استمع هل ينظر شيء يريبه فيمنع منه، فلمّا لم يسمع إلا قرآنًا، ثم شعرًا في زهد سكت عنه، وهذا أليق بحاله في علمه وورعه، فأمّا ما زاده المتصوفة فيما نقلوه من التبختر وقولهم كأنّه يرقص فكذب منهم ومحال، يطلبون المعنى تصحيحًا لمذهبهم في الرقص (٦)، قد أعاذه الله عز وجل من ذلك.


(١) بالأصل: "أبو".
(٢) وفي الحاشية: "أي قبحه".
(٣) وهما في "السماع" له (ص/٤٦ - ٤٧).
(٤) وهوأبو بكر، محمد بن عبد الله بن يحيى
(٥) أي: يوسف بن عمر القواس.
(٦) أي أنه من تغيير الرواة وروايته بالمعنى تصحيحا لمذهبهم في الرقص. وانظر تلبيس إبليس (ص/٢١٧).

<<  <   >  >>