للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحديث الصحيح المعروف لم يذكر فيه المنبر وإنما كان حسان بن ثابت يهجوا المشركين ليكفّ أذاهم عن المسلمين، وكان جهادًا باللسان لما صحّ وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الجهاد كلمة الحقّ عند أمير جائر" (١) اعلم أنه إنما صار هذا أفضل من الجهاد للكفّار؛ لأنّك تجاهد الكفار لإعلاء كلمة الله ونصرة من الله، فتقاومهم مع المماثلة في العدد والعُدد ومساعدة المجاهدين لك بالمدد وتأميل الغلبة عليهم، ولم يتيقن تسلّطهم عليك، وهذا الجهاد أيسر وأهون من جهادك الأمير الجائر في أمرك له بالمعروف أو نهيك له عن المنكر، وردّه عن جوره مع وحدتك وقلّة عدّتك، وعدم مساعدك ورؤيتك تسلّطه عليه وغلبته واستشعارك فتكه بك وسطوته، فمحنتك أبلغ وأتمّ، وجهادك أصعب وأعظم، فكان أفضل من كلّ جهاد وأبلغ وأعمّ. وقد روي في الأثر: "أعظم الجهاد كلمة حق عند من يخاف ويرجي" (٢). قلت: لأن خوف [ق ٨٠ /أ] سطوته ورجاء برّه وصلته يمنعان النفس عن إظهار كلمة الحقّ له، فيعظم جهادها والله أعلم، وها أنا أفعل كما فعل حسان رضي الله عنه وأجاهد (٣) أعداء الله المبتدعين بلسانه وأكفّهم عن إيذاء المسلمين وأهجو المبتدعين المنافقين منافحة عن رسول الله عليه السلام وصحابته رضوان الله عليهم أسوة حسنة وعن دين الإسلام ولي برسول الله عليه السلام وصحابته رضوان الله عليهم أسوة حسنة، وأقول شعرا:

يا لائمي كف عن ملامي مقصرا ... فلأبكين تأسفًا وتحسرًا


(١) حسن - أخرجه أبو داود في "سننه" (٤/ ١٢٤) (٤٣٤٤)، والترمذي في "سننه" (٤/ ٤٧١) (٢١٧٤)، وقال: "حسن غريب"، وابن ماجه في "سننه" (٢/ ١٣٢٩) (٤٠١١)، وغيرهم من طريق إسرائيل عن محمد بن جحادة، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري بنحوه، وإسناده ضعيف لضعف عطية العوفي وعنعنته وهو مدلس، ورواه الحميدي في "مسنده" (٢/ ١٧) (٧٦٩)، وأحمد في "مسنده" (١٧/ ٢٢٧)، وغيرهما من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري مطولا بنحوه، وابن جدعان ضعيف، وللحديث شواهد يقوى بها عن أبي أمامة، وسمرة وطارق بن شهاب.
(٢) ذكره القشيري في "الرسالة القشيرية" (١/ ٢٣٥) من قول بشر بن الحارث، ولفظه: "أشد الأعمال ثلاثة: الجود فِي القلة والورع فِي الخلوة وكلمة الحق عِنْدَ من يخاف منه ويرجى".
(٣) بالأصل: "واجهاد".

<<  <   >  >>