للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم، وقرأت في كتاب أحكام القرآن ومعانيه لابن العربي (١) المغربي رحمه الله وذكر قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢] أي: تلاوته. قال: فهذا نصّ في أن الشيطان زاد في الذي قاله النبي عليه السلام، وذلك أنّ النبي عليه السلام كان إذا تلا قرأ قرآنًا مقطّعًا وسكت في مقاطع الآي سكوتًا محصلاً، وكذلك كان حديثه صلى الله عليه وسلم مترسّلاً فيه متأنيًا، فتتبع الشيطان تلك السكتات بين [ق ٩٠ / أ] قوله {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ٢٠]، وبين قوله {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} [النجم: ٢١] يحاكي صوت النبي عليه السلام، فقال: "إنّهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهنّ لترجي" –يعني الأصنام-، ففرح المشركون والذين في قلوبهم مرض بقلة البصيرة وفساد السريرة، فتلوها عن النبي عليه السلام ونسبوها بجهلهم إليه حتى سجدوا معه اعتقادًا أنه معهم وعلم الذين أوتوا العلم والإيمان أنّ القرآن حقّ من عند الله فآمنوا به، ورفضوا غيره وتجيب قلوبهم إلى الحقّ وتنقر عن الباطل، وكلّ ذلك ابتلاء من الله ومحنة (٢).


(١) أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي المعروف بابن العربي كان فقيهًا متبحرًا بلغ رتبة الاجتهاد ولد ٤٦٨ هـ في إشبيلية وتوفي ٥٤٣ هـ، ومن أهم مصنفاته أحكام القرآن، عارضة الأحوذي في شرح صحيح الترمذي، العواصم من القواصم، الإنصاف في مسائل الخلاف، القبس في شرح الموطأ، المحصول، وغيرها، وترجمته في: الديباج المذهب (٢/ ٢٥٢) وفيات الأعيان (٤/ ٢٩٦)، والأعلام للزركلي (٧/ ١٠٦)، معجم المؤلفين لكحالة (١٠/ ٢٤٣).
(٢) أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ٣٠٦).

<<  <   >  >>