للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حدّثنا مسعود بن النصر المنيحي خادم الشيخ يعقوب الخرّاط رحمهما الله قال: كان الشيخ يعقوب رحمه الله ينكر على الفقراء والمشايخ من أهل السماع والرقص ويبغضهم ويشنأ (١) الجلوس إليهم وقال: احذر إن عشت بعدي أن تدخل عليهم فتهلك، قال: وكان الشيخ يعقوب يومًا جالسًا يذكر أهل السماع والرقص بذكر صفاتهم المذمومة في جماعة، فقال واحد منهم: يا سيّدي اترك هذا القبيل فما هم بشيء يرجعون عن هذا الفعل الذي يفعلونه قال الشيخ: صدقت ما لعود عن تلك إلا بعد اللتي واللتيا.

قال: ورأى الشيخ يعقوب رحمه الله في المنام في تلك الليلة كأنّه يتمشي في المرمنى عند باب العرق (٢) قال: بينما أنا أتمشّى وإذا برجل قد أمسك بيدي وقال لي: عزمتَ على ترك مذمّة أهل السماع فلا تترك مذمتهم [ق ١١٩ /أ] فقلت: من أنت وفقك الله؟ فقال: أما تعرفني! أنا أحمد بن حنبل، فجعلت أطيل النظر إلى وجهه، فقال: دع عنك النظر إلى وجهي واسمع منّي ما أقول لك، فقلت: ما تقول إلا خيرًا، فأخذ بيدي ومشى في خطوات فأوقفني على باب دار مشرع، فقال لي: ادخل أبصر مَنْ في هذه الدار، قلت: من في هذه الدار حتى أدخل عليهم، فقال: هم الذين كنتَ تذمّهم ادخل فأبصر صفاتهم وما هم عليه من النجس والإدبار، فتركتُه على الباب ودخلت عليهم فوجدت خلقًا منعصب بعضهم في بعض وبينهم تخت عالٍ وعليه امرأة وإلى جانبيها رجلين رجل عن يمينها ورجل عن شمالها، فلمًا رأتني المرأة قامت لي من دون الجمع كلّهم وقالت: إليّ عندي بعث، فقلتُ: أتعلمين من بعثني؟ قالت: نعم الإمام أحمد وهو على الباب والمرأة هي الدّنيا، ثم أشارت بيدها إلى الجمع وقالت شعرًا:

أما تراهم لديّا ... وعاكفين عليَّا

دعوتهم فاستجابوا ... مسارعين إليَّا

والكل مقرّ بحبّي ... في جهره وخفيا

مولعًا في هوانا ... محبّة أي حفيا

أعمى أصم بحبّي ... عن دينه مكتفيًا

خلفًا أضاعوا فروضًا ... كلفن من كان حيًّا

أباع الدين بخسًا ... باللهو لا مستحيا

وقد أجابوا هواها ... مستصرخًا ووحيا

واستحسنوا فعل قوم ... اغترّوا بكأس الحميا


(١) أي يكره ويبعض.
(٢) كذا بالأصل، ولعلها: العراق، والله أعلم.

<<  <   >  >>