للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن الحليم هو المتثبت ذو الأناة الذي لا يستفزه الغضب، ولا تغلبه عجلة الطبع، أي تزعجه عزة العلم فالحلم إذًا جمال العالم وكماله، ولذلك [ق ٢٥ /أ] مدح الله تعالى به إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: ٧٥]، وهذه صفة العالم بالله تعالى وعظمته المنتهية ودرجة الإحسان، ومن دون هذا علماء الشرع في تنوعهم وغالب الاسم ينصرف إلى العلماء بالأحكام ومعرفة الحلال والحرام فخيارهم حكماؤهم، وإنما افتقر كمال خيرهم إلى الحلم؛ لأن هذا النوع من العلم آلاته من اللغة والنحو وغيرهما قد ينشأ به من النفس كبر، كما روي في الأثر: "إن للعلم طغيانًا كطغيان المال" (١). قلت: وذلك أن صاحب المال يرى حاجة الفقر إلى ماله واستغنائه به واستقلاله عند غيره، فيطغيه كبرًا كما قال الله عز وجل أن {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: ٦، ٧] أي في باطنه وظاهره، وكذلك من حوى العلم بالأحكام والمعرفة بالاجتهاد في علم الحلال والحرام يحتاج إلى علمه السلطان والعام، ويرى استقلَالُه وغناءه عن النظراء والأقران، فربما نسي بذلك رؤية منة المنعم عليه المنان فينشأ من طبعه ونفسه العجب والغية (٢) فيتكبر وهو الطغيان، وهذه شرور تذهب بهجة العلم (٣) فيحتاج إلى الحلم والأناة لئلا يعسف بطلبه علمه ويجفوا على أصحابه [ق ٢٥ / ب] وتلامذته ويتيه (٤) ويتكبر على مستفتيه بمراجعته. كما روي أن إنسانًا دخل علي فقيه فاستفتاه في مسألة وأجاب فراجعه في الجواب فنهاه وقال: مثلي لا يراجع في فتواه.


(١) ضعيف – أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص/١٩) (٥٦)، ومن طريقه: ابن خيثمة في "العلم" (ص/٢٦) (١٠٣) وأبو نعيم في "الحلية" (٤/ ٥٥) عن عن رباح بن زيد، عن رجل، عن وهب بن منبه به وإسناده ضعيف فيه جهالة شيخ رياح، وأخرجه أحمد في "الزهد" (ص/٣٠١) (٢١٧٩)، والحربي في "غريبه" (٢/ ٦٤٢) من طريق إبراهيم بن خالد , عن رباح , عن عبد الملك بن خُسْك: سمعت وهبا , فذكره، وعبدالملك، قال عنه هشام بن يوسف: فيه ضعف. وذكره ابن عَدِي في الكامل وقال: له أحاديث عامتها لا يتابع عليها.
(٢) قال ابن دريد في "جمهرة اللغة": "الغَيّة: ضدّ الرِّشدة".
(٣) في الحاشية: "أي حسن العلم ".
(٤) قال ابن فارس في "معجم اللغة" باب التاء والياء وما يثلثهما: " التيهُ: الكبرُ".

<<  <   >  >>