وهنا فائدة مهمة ينبغي الاطلاع عليها، وهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اهتم بفن الاعتبار والاستشهاد، وسلك منهجه وطريقه ليكون سنة لعلماء أمته وفتحاً لباب العلوم الوهبية التي خصوا بها.
من أمثلة ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - تمثل بقوله - تعالى - {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} في مسألة القدر، مع أن منطوق الآية هو أن كل من يعمل هذه الأعمال فسنجازيه بالجنة والنعيم المقيم، وكل من يعمل بضد هذه الأعمال، فسوف نعذبه ونصليه الجحيم، إلا أنه عن طريق الاعتبار يمكن أن يعلم به أن الله - عز وجل - خلق كل شخص لعمل وحالة، وهي الحالة التي تجري عليه ويسر لها من حيث يدري أو لا يدري، فمن هنا وبهذا الاعتبار كان لهذه الآية الكريمة ارتباط بقضية القدر.
كذلك قوله - تعالى -: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فالمعنى لهذه الآية الكريمة أن الله - عز وجل - عرف كل نفس بالبر والإثم والخير والشر، ولكن هناك شبها بين خلق الصورة العلمية للبر والإثم وبين خلق البر والإثم - إجمالا - في وقت نفخ الروح، فيمكن عن طريق الاعتبار أن يستشهد بهذه الآية الكريمة في مسألة القدر أيضا والله أعلم.