تجلى لك أن خطوات الإنسان على درب علمه الفطري غير المكتسب، وتمييزه للصفات التي يجوز أن تنسب إلى الله - تعالى - ولا يقع فيها خلل، عن الصفات التي يؤدي استعمالها إلى الأوهام الباطلة والعقائد المنحرفة، أمر دقيق خطير للغاية لا يصل غوره ولا يكتنه كنهه جمهور الناس، ولذلك قرر أن يكون علم الصفات الإلهية توفيقاً، ولا يسمح بالبحث والكلام بحرية وإطلاق.
[أسلوب القرآن في بيان آلاء الله:]
ولم يتعرض القرآن العظيم من آلاء الله - تعالى - وآيات قدرته العجيبة إلا لما يستوى في إدراكه الحضري والبدوي والعربي والعجمي ولا يصعب فهمه على عاقل، لأجل ذلك لم يذكر النعم الروحانية الخاصة التي ينعم بها على عباده الأنبياء والأولياء والعلماء الصالحين بصفة خاصة (من مراتب الكمالات ومدارج التقرب ومنازل التقوى) ولم يذكر الملاذ والنعم التي تحصل - أحياناً - للملوك والسلاطين (وأفراد قلائل من البشر) بل ذكر ما كان أنسب ذكره: من خلق السموات والأرض، وإنزال المطر من السحاب، وتفجير الينابيع بالماء، وإلهام الصنائع والحرف الضرورية، وخلق القدرة لممارستها ومزاولتها، ونبه إلى تغير مواقف الناس عند السراء والضراء، ولدى النعم والبأساء في مواضع كثيرة إذ إن هذا من أمراض القلب وإنحراف النفس الذي يكثر وقوعه وتكثر أمثلته.