ثم لما كان إثبات الصفات الإلهية بذكر كنهها وحقائقها ودقيق مسائلها مستحيلاً في حقهم، وكان تركهم من دون إطلاع على هذه الصفات الإلهية يحرمهم من معرفة الربوبية - التي هي أنفع وسيلة في تهذيب النفوس البشرية - كان حكمة الله - تعالى - وهو أحكم الحاكمين - أن يختار من الصفات البشرية التي نعهدها ونشاهدها والتي نتمادح بها ونفتخر بالتحلي بها، صفات كريمة عديدة تستعمل لأداء معان غامضة دقيقة لا تبلغ جلالها وعظمتها عقول البشر، ثم يجعل قوله الفصل:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
ترياقاً لداء الجهل العضال، وعلاجاً لقلة البصر والإدراك، ونهى عن استعمال تلك الصفات البشرية التي يخشى منها جموح الأوهام والظنون نحو العقائد الباطلة كإثبات الولد، والبكاء، والجزع وما إلى ذلك.