لأحد على الفائز بالجنة حق في شيء من أحواله، فيكون عبدًا في ذاته من حيث التكوين، عتيقًا في أفعاله من حيث الإنعام والتكريم. وهكذا يكون مثل ما في التشريع، وصلًا بين حياتين يدرك المستبصر من خلالهما كل أسرار الفطرة التى لم يخرج عنها القرآن في أي موضوع فرعي من مواضيعها، ومن هذه النافذة يمكن أن تتصل موضوعات القرآن في وَحْدَةٍ متماسكة لا خلل فيها.
وجانب آخر متلاحم مع هذا الأصل الفطرى الذي دار حديثنا حوله، ودارت حوله الكثير من آيات القرآن الكريم هو: العدل باعتباره الفطرة التي بنى الله تعالى عليه هذا الكون المنظور وغير المنظور، وردنا من خلال تلك الفطرة إلى موضوع المعبود الحق الذي تقوم على أساسه الحضارة القرآنية، والدعوة العالمية إلى الإسلام ونجاحها اليقين من حيث تعثرت خطى الدعاة في عصرنا الحاضر حينما أخلوا بتلك الفطرة.
وأصل هذا الجانب الرئيسي: أن الله -عزت قدرته- علق بقاء الأنفس بالمال، وعلق بقاء الجنس بازدواج الذكر والأنثى، فأنت ترى أن أسباب البقاء والتكاثر هي شهوات الطبيعة التي فطر الله الناس عليها؛ لتكون تلك الشهوات سائقة إلى أسباب البقاء، ثم أعلن سبحانه أنه ما خلقهم للاستغراق في تلك الشهوات؛ بل ليوحدوه ويعبدوه بأمره على خلاف الطبع؛ ولهذا نرى القرآن يدعو إلى العمران ويشرع النكاح، وينعى على من يحرم الطيبات من الرزق، وفي الوقت نفسه يمقت الترف والإغراق، ويدعو إلى إيثار الآخرة على الأولى، ويعلق ملك الآخرة بالتوحيد والهدى، في مقابلة تعليق الحاضرة على الشهوات والهوى، وهنا كان الابتلاء الذي لا ينجو الإنسان منه إلا بالعدل وإقامة الموازين الدقيقة في شئون المال والعلاقات الجنسية بين الرجال والنساء.
عدل الإنسان مع نفسه، فلا ينساق إلى الترف في الجسد والعقل، وعدل الإنسان في علاقته بربه، فلا تطغى عليها الدنيا بشهواتها،