ولا تطغى العبادة على العمران، وعدل الإنسان في علاقته مع غيره من بني جنسه؛ إبقاء على الأخوة الضرورية لنجاح الأمة في شريعة الجهاد في سبيل الله، وقد أفاض القرآن في هذه المواضيع وربطها بما أشرنا إليه من مواضيع في شطر كبير جدًّا من آياته.
وغاية العدل: أن يصل الإنسان إلى أن كل سلطان عليه غير سلطان الله فهو شرك وضلال، وكل عبودية لسواه ذل، وعلى الإنسان أن يوفق بين ارتباط مصالحه الدنيوية بغيره من الناس وبين العبودية لله، فلا يمنح الإنسان أكثر من حقه في أنه عبد مسخر للعمل وتبادل المنافع مع غيره، ولا يتحدث عن الخالق الأعلى حديثه عن العبيد، ولا يخلط بين الفاني ومانح الحياة.
وعلى هذا النهج تخلص عقيدة المؤمن من الشرك الخفي والجلي، وعلى العكس إذا اختلت موازين العدل بين الإنسان ونفسه، فمال إلى الشهوات؛ فإنه حينئذ يصبح إنسانًا مختلًّا في توازنه بين مطالب الروح ومطالب الجسد، ويضعف أو ينعدم شعوره بسلطان الله وقهره ما دام مقهورًا للشهرة، مدفوعًا بسلطان المال، ومن هذا تكون الفوضى، ويتحطم بناء المجتمع باختلال نظام الأسرة.
فالإنسان لا يصبح سويًّا صالحًا لممارسة شعائر الإيمان الحق كما يريده الله تعالى إلا إذا عدل بين مطالب جسده، ومطالب عقله، ومطالب روحه:
فمطالب الجسد: إبقاؤه حيًّا متكاثرًا دون سرف ولا تقتير.
ومطالب العقل: النظر في العلوم والمعارف التى تؤدِّي إلى رقي الإنسان وتساميه عن وحل الانحراف.
ومطالب الروح: وصلها عن طريق العبودية والعبادة بمصدر الوجود الحق، وإسناد التوفيق إليه، والبراءة من الحول والقوة، والفرار إليه في كل المهمات.
وظلم الإنسان لنفسه في جانب من الجوانب الثلاثة ينتهي به إلى مرتبة