للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٢ - ومن الداخلين من المشرق إلى الأندلس ملكها عبد الرحمن بن معاوية ابن أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بن مروان، المعروف بالداخل (١) . وذلك أنه لما أصاب دولتهم ماأصاب، واستولى بنو العباس على ماكان بأيديهم، واستقر قدمهم في الخلافة، فرّ عبد الرحمن إلى الأندلس فنال بها ملكاً أورثه عقبه حقبةً من الدهر.

قال ابن حيان في " المقتبس ": إنه لما وقع الاختلال في دولة بني أمية والطلب عليهم، فرّ عبد الرحمن، رلم يزل في فراره منتقلاً بأهله وولده إلى أن حلّ بقرية على الفرات ذات شجرٍ وغياضٍ، يريد المغرب، لما حصل في خاطره من بشرى مسلمة (٢) ، فمما حكي عنه أنه قال: إني لجالس يوماً في تلك القرية في ظلمة بيت تواريت فيه لرمدٍ كان بي، وابني سليمان بكر ولدي يلعب قدّامي، وهو يومئذٍ ابن أربع سنينٍ أو نحوها، إذ دخل الصبي من باب البيت فازعاً باكياً فأهوى إلى حجري، فجعلت أدفعه إلى ما كان بي ويأبى إلا التعلق، وهو دهشٌ يقول ما يقوله الصبيان عند الفزع، فخرجت لأنظر، فإذا بالروع قد نزل بالقرية، ونظرت فإذا بالرايات السود عليها منحطة، وأخٍ لي حديث السن كان معي يشتد هارباً ويقول لي: النجاء يا أخي، فهذه رايات المسودة (٣) ، فضربت بيدي على دنانير تناولتها، ونجوت بنفسي والصبي أخي معي، وأعلمت أخواتي بمتوجهي ومكان مقصدي، وأمرتهن أن يلحقنني ومولاي بدر معهن، وخرجت فكمنت في موضع ناء عن القرية، فما كان إلا ساعةً حتى أقبلت


(١) انظر اخبار عبد الرحمن الداخل في ابن القوطية: ٤٥ وأخبار مجموعة: ٥٠ وابن عذاري ٢: ٤٠ والنويري ٢٢: ١ (الباب الخامس) وذكر بلاد الأندلس، الورقة: ٨٩ والمقتطفات، الورقة: ١٠٩ ونص هذا الأخير مطابق لنص النفح.
(٢) نسب إلى مسلمة بن عبد الملك أنه كان يخبر بأمور من الحدثان والملاحم، وكان يرى أن نهاية بني أمية في المشرق قد اقتربت ويتنبأ بظهور عبد الرحمن (راجع أخبار مجموعة: ٥١ - ٥٢) وسيأتي شيء من ذلك في هذا الكتاب.
(٣) المقتطفات: فهذه الرايات السود.

<<  <  ج: ص:  >  >>