للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بماله وولده وأهله.

وفي " المسهب " حدث بعض موالي عبد الرحمن الخاصين به أنه دخل على الداخل إثر قتله ابن أخيه المغيرة المذكور، وهو مطرق شديد الغم، فرفع رأسه إليّ وقال: ما عجبي إلا من هؤلاء القوم، سعينا فيما يضجعهم في مهاد الأمن والنعمة، وخاطرنا فيه بحياتنا، حتى إذا بلغنا منه إلى مطلوبنا، ويسّر الله تعالى أسبابه، أقبلوا علينا بالسيوف، ولما آويناهم وشاركناهم فيما أفردنا الله تعالى به حتى أمنوا ودرت عليهم أخلاف النعم هزوا أعطافهم، وشمخوا بآنافهم، وسموا إلى العظمى، فنازعونا فيما منحنا الله تعالى، فخذلهم الله بكفرهم النعم إذ أطلعنا على عوراتهم، فعاجلناهم قبل أن يعاجلونا، وأدى ذلك إلى أن ساء ظننا في البريء منهم، وساء أيضاً ظنه فينا، وصار يتوقع من تغيرنا عليه ما نتوقع نحن منه، وإن أشد ما علي في ذلك أخي والد هذا المخذول، كيف تطيب لي نفسٌ بمجاورته بعد قتل ولده وقطع رحمه أم كيف يجتمع بصري مع بصره اخرج له الساعة فاعتذر إليه، وهذه خمسة آلاف دينار ادفعها إليه، واعزم عليه في الخروج عني من هذه الجزيرة إلى حيث شاء من بر العدوة. قال: فلما وصلت إلى أخيه وجدته أشبه بالأموات منه بالأحياء، فآنسته وعرفته، ودفعت له المال، وأبلغته الكلام، فتأوه وقال: إن المشئوم لا يكون بليغاً في الشؤم حتى يكون على نفسه وعلى سواه، وهذا الولد العاق الذي سعى في حتفه قد سرى ما سعى فيه إلى رجل طلب العافية، وقنع بكسر بيت في كنف من يحمل عنه معرة الزمان وكله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا مرد لما حكم به وقضاه (١) ، ثم ذكر أنه أخذ في الحركة إلى بر العدوة. قال: ورجعت إلى الأمير فأعلمته يقوله، فقال: إنه نطق بالحق، ولكن لا يخدعني بهذا القول عما في نفسه، والله لو قدر أن يشرب من دمي ما عف عنه لحظة، فالحمد لله الذي أظهرنا


(١) المقتطفات: لا مرد لحكم به قضى.

<<  <  ج: ص:  >  >>