للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخل بها على المنصور، فلما رآها اشتد غيظه على صاعد، وقال للحاضرين: غداً أمتحنه، فإن فضحه الإمتحان أخرجته من البلاد، ولم يبق في موضع لي عليه سلطان، فلما أصبح وجه إليه فأحضر، وأحضر جميع الندماء، فدخل بهم إلى مجلس محفل قد أعد فيه طبقاً عظيماً فيه سقائف مصنوعة من جميع النواوير، ووضع على السقائف لعب من ياسمين في شكل الجواري، وتحت السقائف بركة ماء، قد ألقي فيها اللآلئ مثل الحصباء، وفي البركة حيةٌ تسبح، فلما دخل صاعد ورأى الطبق قال له المنصور: إن هذا يوم إما أن تسعد فيه معنا، وإما أن تشقى بالضد عندنا، لأنه قد زعم قومٌ أن كل ما تأتي به دعوى، وقد وقفت من ذلك على حقيقة، وهذا طبق ما توهمت أنه حضر بين يدي ملك قبلي شكله، فصفه بجميع ما فيه، وعبر بعض عن هذه القصة بقوله: أمر فعبئ له طبق فيه أزهار ورياحين وياسمين وبركة ماء حصباؤها اللؤلؤ، وكان في البركة حية تسبح، وأحضرها صاعد، فلما شاهد ذلك قال له المنصور: إن هؤلاء يذكرون أن كل ما تأتي به دعوى لا صحة لها، وهذا طبق ما ظننت أنه عمل لملك مثله، فإن وصفته بجميع ما فيه علمت صحة ما تذكره، فقال صاعد بديهةً:

أبا عامرٍ هل غير جدواك واكف ... وهل غير من عاداك في الأرض خائف

يسوق إليك الدّهر كلّ غريبةٍ ... وأعجب ما يلقاه عندك واصف

وشائع نورٍ صاغها هامر الحيا ... على حافتيها عبقرٌ ورفارف

ولمّا تناهى الحسن فيها تقابلت ... عليها بأنواع الملاهي الوصائف

كمثل الظباء المستكنّة كنّساً ... تظلّلها بالياسمين السّقائف

وأعجب منها أنّهن نواظرٌ ... إلى بركة ضمّت إليها الطرائف

حصاها اللآلي سابحٌ في عبابها ... من الرّقش مسموم الثعابين (١) زاحف


(١) الذخيرة: مسموم اللعابين.

<<  <  ج: ص:  >  >>