للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجلب، وإن كسدت بضاعة ففيها تنفق، مع كثرة علمائها، ووفور أدبائها (١) ، وجلالة ملوكها، ومحبتهم في العلم وأهله، يعظمون من عظمه علمه، ويرفعون من رفعه أدبه، وكذلك سيرتهم في رجال الحرب: يقدمون من قدمته شجاعته، وعظمت في الحروب نكايته، فشجع الجبان، وأقدم الهيبان، ونبه الخامل، وعلم الجاهل، ونطق العيي، وشعر البكي، واستنثر البغاث، وتثعبن الحفاث (٢) ، فتنافس الناس فيى العلوم، وكثر الحذاق في جميع (٣) الفنون، ثم هم مع ذلك على غاية التقصير ونهاية التفريط، من أجل علماء الأمصار دونوا فضائل أمصارهم، وخلدوا في الكتب مآثر بلدانهم، وأخبار الملوك والأمراء، والكتاب والوزراء، والقضاة والعلماء، فأبقوا لهمذكراً في الغابرين يتجدد على مر الليالي والأيام، ولسان صدقٍ في الآخرين يتأكد مع تصرف الأعوام، وعلمائكم مع استظهارهم على العلوم كل امرئ منهم قائم في ظله لا يبرح، وراتبٌ على كعبه لا يتزحزح، يخاف إن صنف، أن يعنف، وإن ألف أن يخالف، ولا يآلف، أو تخطفه الطير أوتهوي به الريح في مكان سحيق، لم يتعب أحد منهم نفساً في جميع فضائل أهل بلده، ولم يستعمل خاطره في مفاخر ملوكه، ولا بل قلماً بمناقب كتابه ووزرائه، ولا سود قرطاساً بمحاسن قضاته وعلمائه، على أنه لو أطلق ما عقل الإغفال من لسانه، وبسط ما قبض الإهمال من بيانه، لوجد للقول مساغاً ولم تضق عليه المسالك، ولم تخرج به المذاهب، ولا اشتبهت عليه المصادر والموارد، ولكن هم أحدهم أن يطلب شأو من تقدمه من العلماء ليحوز قصبات السبق، ويفوز بقدح ابن مقبل، ويأخذ بكظم دغفل، ويصير شجاً في حلق أبي


(١) ق ب: آدابها.
(٢) تثعبن الحفاث: أخذ هيئة الثعبان؛ والحفاث: حيوان كالثعبان يفح فحيحه ويثب مثل وثبه ولكنه غير مؤذ (انظر الحاشية ص ٦٤٦ من الجزء الأول) .
(٣) ب: لجميع؛ ق: بجميع.

<<  <  ج: ص:  >  >>