للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محاورتك مطلباً، وإني لما احتللت بك، وجالت يدي في مكنون كتبك، ومضمون دواوينك، لمحت عيني في تضاعيفها درجاً، فإذا فيه خطاب لبعض الكتاب من مصاقبينا في الدار أهل إفريقية، ثم ممن ضمته حاضرة قيروانهم، إلى رجل أندلسي لم يعينه باسمه (١) ، ولا ذكره بنسبه، يذكر له فيها أن علماء بلدنا بالأندلس - وإن كانوا على الذروة العليا من التمكن بأفانين العلوم، وفي الغاية القصوى من التحكم على وجوه المعارف - فإن هممهم قد قصرت عن تخليد مآثر بلدهم، ومكارم ملوكهم، ومحاسن فقهائهم، ومناقب قضاتهم، ومفاخر كتابهم، وفضائل علمائهم، ثم تعدى ذلك إلى أن أخلى أرباب العلوم منا من أن يكون لهم تأليف يحيي ذكرهم، ويبقي علمهم، بل قطع على أن كل واحد منهم قد مات فدفن علمه معه، وحقق ظنه في ذلك، واستدل على صحته عند نفسه بان شيئاً من هذه التآليف لو كان منا موجوداً لكان إليهم منقولاً، وعندهم ظاهراً، لقرب المزار، وكثرة السفار (٢) ، وترددهم إليهم، وتكررهم علينا. ثم لما ضمنا المجلس الحافل بأصناف الآداب، والمشهد الآهل بأنواع العلوم، والقصر المعمور بأنواع الفضائل، والمنزل المحفوف بكل لطيفة وسيعة من دقيق المعاني وجليل المعالي، قرارة المجد ومحل السؤدد، ومحط رحال الخائفين، وملقى (٣) عصا التسيار عند الرئيس الأجل الشريف قديمه وحسبه، الرفيع حديثه ومكتسبه، الذي أجله عن كل خطة يشركه فيها من لا توازي قومته نومته، ولا ينال حضره هويناه، وأربأ به عن كل مرتبة يلحقه فيها من لايسمو إلى المكارم سموه، ولا يدنو من المعالي دنوه، ولا يعلو في حميد


(١) لعل ابن حزم يعني أنه لم يجد في الرسالة التي بعثها ابن الربيب اسم المرسل إليه ونسبته، وقد صرح ابن بسام - كما ذكر المقري في النفح - أن ابن الربيب خاطب أبا المغيرة ابن حزم، وأن أبا المغيرة رد عليه برسالة أطال فيها القول وختم بذكر جملة من تواليف أهل الأندلس (الذخيرة ١ / ١: ١١١ - ١١٦) .
(٢) م: السفرة.
(٣) م: ومحط؛ ب: ومحطى.

<<  <  ج: ص:  >  >>