للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" يفنى الزمان وما بنته (١) مخلّدٌ " ... ثم إنه إذا كان له من الغنى ما يكفه عن أموال الناس ومن الدين ما يصده عن محارم الله تعالى، ومن العلم ما لا يجهل به التصرف في الشريعة، أباحوا له الفتوى والشهادة، وجعلوا علامة لذلك بين الناس القالس والرداء.

وأهل قرطبة أشد الناس محافظة على العمل بأصح الأقوال المالكية، حتى إنهم كانوا لا يولون حاكماً إلا بشرط أن لا يعدل في الحكم عن مذهب ابن القاسم.

وقال ابن سارة لما دخل قرطبة:

الحمد لله قد وافيت قرطبةً ... دار العلوم وكرسيّ السلاطين وهي كانت مجمع جيوش الإسلام، ومنها نصر الله على عبدة (٢) الصليب.

يقال: إن المنصور ابن أبي عامر - حين تم له ملك البرين، وتوفرت الجيوش والأموال - عرض بظاهر قرطبة خيله ورجله، وقد جمع من أقطار البلاد ما ينهض به إلى قتال العدو وتدويخ بلاده، فنيف الفرسان على مائتي ألف، والرجالة على ستمائة ألف. وبها حتى الآن من صناديد المسلمين وقوادهم من لا يفتر عن محاربة، ولا يمل من مضاربة، أسماؤهم بأقاصي بلاد النصارى مشهورة، وآثارهم فيها مأثورة، وقلوبهم على البعد بخوفهم معمورة.

ويحكى أن العمارة في مباني قرطبة والزاهرة والزهراء اتصلت إلى أن كان يمشى فيها لضوء السرج المتصلة عشرة أميال، وأما جامعها الأعظم فقد سمعت أن ثرياته من نواقيس النصارى، وأن الزيادة التي زاد في بنائه ابن أبي عامر من تراب نقله النصارى على رؤوسهم مما هدم من كنائس بلادهم، وقد


(١) ب: بنيته، والصواب " بنيت ".
(٢) م: عباد.

<<  <  ج: ص:  >  >>