للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طعامه، ويقبل جوائزه، وقال عبد الله بن مسعود - وكان قد ملئ علماً - لرجل سأله، فقال: إن لي جاراً يعمل بالربا، ولا يجتنب في مكسبه الحرام، يدعوني إلى طعامه، أفأجيبه قال: نعم، لك المهنأ وعليه المأثم، ما لم تعلم الشيء بعينه حراماً، وقال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه - حين سئل عن جوائز السلاطين -: لحم ظبي ذكي، وكان الشعبي - وهو من كبار التابعين وعلمائهم - يؤدب بني عبد الملك بن مروان، ويقبل جوائزه ويأكل طعامه، وكان إبراهيم النخعي وسائر علماء الكوفة والحسن البصري - مع زهده وورعه - وسائر علماء البصرة وأبو سلمة ابن عبد الرحمن وأبان ابن عثمان والفقهاء السبعة بالمدينة - حاشا سعيد بن المسيب - يقيلون جوائز السلطان، وكان ابن شهاب يقبلها، ويتقلب في جوائزهم، وكانت أكثر كسبه، وكذلك أبو الزناد، وكان مالك وأبو يوسف والشافعي وغيرهم من فقهاء الحجاز والعراق يقبلون جوائز السلاطين والأمراء، وكان سفيان الثوري - مع ورعه وفضله - يقول: جوائز السلطان أحب إلي من صلة الإخوان، لأن الإخوان يمنون والسلطان لا يمن، ومثل هذا عن العلماء والفضلاء كثير، وقد جمع الناس فيه أبواباً، ولأحمد ابن خالد فقيه الأندلس وعالمها في ذلك كتاب حمله على وضعه وجمعه طعن أهل بلده عليه في قبوله جوائز عبد الرحمن الناصر، إذ نقله إلى المدينة بقرطبة، وأسكنه داراً من دور الجامع قربه، وأجرى عليه الرزق من الطعام والإدام والناض، وله ولمثله في بيت المال حظ، والمسؤول عن التخليط فيه هو السلطان، كما قال عبد الله بن مسعود " لك المهنأ وعليه المأثم، ما لم تعلم الشيء بعينه حراماً " ومعنى قول ابن مسعود هذا قد أجمع العلماء عليه، فمن علم الشيء بعينه حراماً مأخوذاً من غير حله كالجريمة وغيرها وشبهها من الطعام أو الدابة وما كان مثل ذلك كله من الأشياء المتعينة غصباً أو سرقة أو مأخوذة بظلم بين لا شبهة فيه فهذا الذي لم يختلف أحد في تحريمه، وسقوط عدالة آكله، وأخذه وتملكه، وما أعلم من علماء التابعين أحداً تورع عن جوائز السلطان إلا سعيد بن المسيب بالمدينة، ومحمد ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>