للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها الرجاء وأخفق، واستحالت بهجتها، وأحالت عليها من الحال لجتها (١) ، فانتقل إلى رندة معقل أشب، ومنزل للسماك منتسب، وأقام فيها رهين حصار، ومهين حماة وأنصار، ولقيت ريحه كل إعصار، حتى رمته سهام الخطوب عن قسيها، وأمكنت منه يدي مسيها، فحواه رمسه، وطواه عن غده أمسه، حسبما بسطنا القول فيه فيما مر من أخبار أبيه، انتهى.

والذي أشار إليه هنا وأحال عليه فيما تقدم له من أخبار المعتمد هو قوله بعد حكايته قتل المأمون بن المعتمد بقرطبة وسياقه أخبار ذلك ما نصه (٢) : ثم انتقلوا إلى رندة أحد معاقل الأندلس الممتنعة، وقواعدها السامية المرتفعة، تطرد منها على بعد مرتقاها، ودنو النجوم من ذراها، عيون لانصبابها دوي كالرعد القاصف، والرياح العواصف، ثم تتكون وادياً يلتوي بجوانبها التواء الشجاع، ويزيدها في التوعر والامتناع، وقد تجونت نواحيها وأقطارها، وتكونت فيها لباناتها وأوطارها، لا يتعذر لها مطلب، ولا يتصور فيها عدو إلا علقه ناب أو مخلب، فلما أناخوا منها على بعد، وأقاموا من الرجاء فيها على غير وعد، وفيها ابنه الراضي لم يحفل بإناختهم بإزائه، ولا عدها من أرزائه، لامتناعه من منازلتهم، وارتفاعه عن مطاولتهم، إلى أن انقضى في أمر إشبيلية ما انقضى، وأفضى أمر أبيه إلى ما أفضى، فحمل على مخاطبته لينزل عن صياصيه، ويمكنهم من نواصيه، فنزل براً بأبيه، وإبقاء على أرماق ذويه، بعد أن عاقدهم مستوثقاً، وأخذ عليهم عهداً من الله وموثقاً، فلما وصل إليهم، وحصل في يديهم، مالوا به عن الحصن وجرعوه الردى، وأقطعوا الثرى حين أودى، وفي ذلك يقول المعتمد يرثيهما، وقد رأى قمربة بائحة بشجنها، نائحة بفننها على سكنها، وأمامها وكر فيه طائران يرددان نغماً، ويغردان ترحة وترنماً:


(١) القلائد: وسالت عليها من الحوادث لجتها.
(٢) القلائد: ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>