للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ميدان المنى أعظم جولة، ثم انتزعوا منه ببعده، وأودعوا الهوادج من بعده، ووجهوا هدايا إلى العدوة، وألموا بها إلمام قريش بدار الندوة، فقال:

مروا بنا أصلاً بغير ميعاد فأوقدوا نار شوقي أي إيقاد

وأذكروني أياماً لهوت بهن فيها ففازوا بإيثاري وإحمادي

لا غرو أن زاد في وجدي مرورهم فرؤية الماء تذكي غلة الصادي

ولما وصل المعتمد (١) لورقة أعلم أن العدو قد جيش لها واحتشد، ونهد نحوها وقصد، ليتركها خاوية على عروشها، طاوية الجوانح على وحوشها، فتعرض له المعتمد دون بغيته، وطلع عليه من ثنيته، وأمر الراضي بالخروج إليه في عسكر جرده لمحاربته، وأعده لمصادمته ومضاربته، فأظهر التمارض والتشكي، وأضمر التقاعص والتلكي، فراراً من المصادمة، وإحجاماً عن المساومة، وجزعاً من منازلة الأقران، ومقابلة ذوابل المران، ومقاساة الطعان، وملاقاة أبطال كالرعان، ورأى أن المطالعة، أرجح من المقارعة، ومعانة العلوم، أربح من مداواة الكلوم، فقد كان عاكفاً على تلاوة ديوان، عارفاً بإجادة سطر وعنوان، فعلم المعتمد ما نواه، وتحقق ما لواه، فأعرض عنه، ونفض يده منه، ووجه المعتد (٢) مع ذلك الجيش الذي لم تنشر بنوده، ولا نصرت جنوده، فعندما لاقوا العدو لاذوا بالفرار، وعاذوا بإعطاء الغرة بدلاً من الغرار، وتفرقوا في تلك الأماريت (٣) ، وفرقوا من تخطف أولئك العفاريت، فتحيف العدو من بقي مع المعتمد واهتضمه، وخضم ما في العسكر وقضمه، وغدت مضاربه مجر عواليه، ومجرى مذاكيه، وآب أخسر من بائع السدانة (٤) ، ومضيع الأمانة، فانطبقت سماء المعتمد على أرضه، وشغلته عن إقامة نوافله وفرضه، فكتب إليه الراضي:


(١) ق م: العدو.
(٢) ق م: وتوجه المعتد.
(٣) الأماريت: الأراضي المنبسطة؛ وفي ق م: الأفاريت.
(٤) يعني أبا عبشان الذي باع سدانة الكعبة لقصي، قيل: برق خمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>