قال علي بن سعيد مكمل هذا الكتاب: لم أر بدّاً من إثبات هذا الفصل وإن كان على أهل بلدي فيه من الظلم والتعصب ما لا يخفى، ولسان الحال في الرد أنطق من لسان البلاغة، وليت شعري إذ سلب أهل هذه الجزيرة العقول والآراء والهمم والشجاعة فمن الذين دبروها بآرائهم وعقولهم مع مراصدة أعدائها المجاورين لها من خمسمائة سنة ونيف؟ ومن الذين حموها ببسالتهم من الأمم المتصلة بهم في داخلها وخارجها نحو ثلاثة أشهر على كلمة واحدة في نصرة الصليب؟ وإنّيلأعجب منه إذ كان في زمان قد دلفت فيه عبّاد الصليب إلى الشام والجزيرة وعاثوا كل العيث في بلاد الإسلام، حيث الجمهور والقبة العظمى، حتى إنهم دخلوا مدينة حلب، وما أدراك، وفعلوا فيها ما فعلوا، وبلاد الإسلام متصلة بها من كل جهة، إلى غير ذلك ممّا هو مسطور في كتب (١) التواريخ، ومن أعظم ذلك وأشدّه أنهم كانوا يتغلبون على الحصن من حصون الإسلام التي يتمكنون بها من بسائط بلادهم، فيسبون ويأسرون، فلا تجتمع همم الملوك المجاورة على حسم الداء في ذلك، وقد يستعين به بعضهم على بعض، فيتمكن من ذلك الداء الذي لا يطّبّ، وقد كانت جزيرة الأندلس في ذلك الزمان بالضد من البلاد التي ترك وراء ظهره، وذلك موجود في تاريخ ابن حيّان وغيره، وإنّما كانت الفتنة بعد ذلك: الأعلام بيّنة، والطريق واضح.
فلنرجع إلى ما نحن بسبيله:
[ابن سعيد يقدم سرداً لتطوّر التاريخ الأندلسي]
كانت سلطنة الأندلس في صدر الفتح على ما تقدم من اختلاف الولاة عليها