للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من سلاطين إفريقية، واختلاف الولاة داعٍ إلى الاضطراب، وعدم تأثّل الأحوال وتربية الضخامة في الدولة، ولما صارت الأندلس لبني أمية وتوارثوا ممالكها وانقاد إليهم كل أبيّ فيها وأطاعهم كل عصيّ عظمت الدولة بالأندلس، وكبرت الهمم وترتبت (١) الأحوال، وترتبت القواعد، وكانوا صدراً من دولتهم يخطبون لأنفسهم بأبناء الخلائف، ثم خطبوا لأنفسهم بالخلافة، وملكوا من برّ العدوة ما ضخمت به دولتهم، وكانت قواعدهم إظهار الهيبة، وتمكن الناموس من قلب العالم، ومراعاة أحوال اشرع في كل الأمور، وتعظيم العلماء، والعمل بأقوالهم، وإحضارهم في مجالسهم واستشارتهم، ولهم حكايات في تاريخ ابن حيّان: منها ما هو مذكور من توجّه الحكم على خليفتهم أو على ابنه أو أحد حاشيته المختصين، وأنهم كانوا في نهاية من الانقياد للحق (٢) لهم أو عليهم، وبذلك انضبط لهم أمر الجزيرة. ولما خرقوا هذا الناموس كان أول ما تهتّك أمرهم، ثم اضمحل، وكانت ألقاب الأول منهم الأمراء أبناء الخلائف، ثم الخلفاء أمراء المؤمنين، إلى أن وقعت الفتنة بحسد بعضهم لبعض، وابتغاء الخلافة من غير وجهها الذي رتبت عليه، فاستبدّت ملوك الممالك الأندلسية ببلادها، وسمّوا بملوك الطوائف واستبدوا (٣) ، وكان فيهم من خطب للخلفاء المروانيين وإن لم يبق لهم خلافة، ومنهم من خطب للخلفاء العباسيين المجمع على إمامتهم، وصار ملوك الطوائف يتباهون في أحوال الملك، حتى في الألقاب، فآل أمرهم إلى أن تلقّبوا بنعوت الخلفاء، وترفّعوا إلى طبقات السلطنة العظمى، وذلك بما في جزيرتهم من أسباب الترفّه والضخامة التي تتوزع على ملوك شتى فتكفيهم، وتنهض بهم للمباهاة. ولأجل توثبهم على النعوت العباسية، قال ابن رشيق القيرواني (٤) :


(١) ق ج: وترتيب.
(٢) ك: إلى الحق.
(٣) واستبدوا: سقطت من ك.
(٤) ديوان ان رشيق:: ٥٩، وهما في وفيات الأعيان ٤: ٥٢ لابن عمار الأندلسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>