فقلت: محمد بن يزيد منهم ... فقالوا: الآن زدت بهم جهالة فتفطن القاضي رحمه الله تعالى لجودة ذكائه إلى أنه لم يرتهن في شيء من معرفتهم، ممتنعاً من إظهار ذلك بلفظه الصريح، فكنى واكتفى بذكاء القاضي الصحيح، رحمهما الله تعالى؛ انتهى. ومن فوائد الشريف ما حكاه عنه تلميذه الإمام النظار أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى، ونصه: قال لي الشيخ القاضي الكبير أبو القاسم الحسني يوماً وقد جرى ذكر حتى التي للابتداء، وأن معناها التي يقع بعدها الكلام سواء كان ذلك متعلقاً بما قبلها لم يتم دونه أو لا، بل لا يكون الأمر إلا كذلك، قال: وقد حدثني بعض الأصحاب أنه سمع رجلاً يصلي أشفاع رمضان، فقرأ من سورة الكهف إلى قوله تعالى " ثم أتبع سبباً " فوقف هنالك، وركع وسجد، قال: فظننت أنه نسي ما بعد ثم ركع وسجد حتى يتذكر بعد ذلك ويعيد أول الكلام، فلما قام من السجود ابتدأ القراءة بقوله " حتى إذا بلغ " فلما أتم الصلاة قلت له في ذلك، فقال: أليست حتى الابتدائية قال القاضي الشريف المذكور: فيجب أن يفهم أن الاصطلاح في حتى وفي غيرها من حروف الابتداء ما ذكر؛ انتهى. وقال الشاطبي: أنشدني أبو محمد ابن حذلم لنفسه:
شأن المحبين في أشجانهم عجب ... وحالتي بينهم في الحب أعجبها
قد كنت أبعث من ريح الصبا رسلاً ... تأتي فتطفئ أشواقي فتذهبها
والآن أرسل دمعي إثرها ديماً ... فتلتظي نار وجدي حين أسكبها