للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومكنه من التجارة بجميع بلاده، وخاطبه بالصديق الأحب، والخلاصة الأقرب، ثم صرار يكاتب من بتلمسان يستقضي منهم مآربه، فيخاطبه بمثل تلك المخاطبة، وعندي من كتبه وكتب ملوك المغرب ما ينبئ عن ذلك، فلما استوثقوا من الملوك، تذللت لهم الأرض للسلوك، فخرجت أموالهم عن الحد، وكادت تفوت الحصر والعد، لأن بلاد الصحراء قبل أن يدخلها أهل مصر (١) كان يجلب إليها من المغرب ما لا بال له من السلع، فتعاوض عنه بما له بال من الثمن - أي مدبر دنيا ضم جنبا أبي حمو وشمل ثوباه، كان يقول: لولا الشناعة لم أزل في بلادي تاجراً من غير تجار الصحراء الذين يذهبون بخبيث السلع، ويأتون بالتبر الذي كل أمر الدنيا له تبع، ومن سواهم يحمل منها الذهب، ويأتي إليها بما يضمحل عن قريب ويذهب، ومنه ما يغير من العوائد، ويجر السفهاء إلى المفاسد - (٢) ، ولما درج هؤلاء الأشياخ جعل أبناؤهم ينفقون مما تركوا لهم، ولم يقوموا بأمر التثمير قيامهم، وصادفوا توالي الفتن، ولم يسلموا من جور السلاطين، فلم يزل حالهم في نقصان إلى هذا الزمن، فها أنا ذا لم أدرك من ذلك إلا أثر نعمة اتخذنا فضوله عيشاً، وأصوله حرمة، ومن جملة ذلك خزانة كبيرة من الكتب، وأسباب كثيرة تعين على الطلب، فتفرغت بحول الله عز وجل للقراءة، فاستوعبت أهل البلد لقاء، وأخذت عن بعضهم عرضاً وإلقاء، سواء المقيم القاطن (٣) ، والوارد والظاعن؛ انتهى كلامه في أوليته، وقد نقله لسان الدين في الإحاطة.

وقال مولاي الجد رحمه الله تعالى: كان مولدي بتلمسان أيام أبي حمو موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيان، وقد وقفت على تاريخ ذلك، ولكني


(١) ق: أهل مقرة.
(٢) هكذا وردت هذه العبارة معترضة في الأصول والإحاطة؛ وأبو حمو المذكور فيها هو موسى بن عثمان بن يغمراسن، والمقري قد ولد في زمانه؛ ويمدحه بأنه كان عارفا بالتدبير، قد ضم جنباه وشمل ثوبه امراءا عارفا بشؤون التجارة، حتى كان يتمنى لو أنه بقي في بلاده تاجرا ... إلخ.
(٣) ق: والقاطن.

<<  <  ج: ص:  >  >>