للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد، فبلغ مدينة المائدة خلف الجبل، وهي المنسوبة لسليمان بن داود عليهما السلام، وهي خضراء من زبرجدة (١) حافاتها منها وأرجلها، وكان لها ثلاثمائة وخمس وستون رجلاً، فأحرزها عنده، ثمّ مضى إلى المدينة التي تحصّنوا بها خلف الجبل، فأصاب بها حلياً ومالاً، ورجع ولم يتجاوزها إلى طليطلة سنة ثلاث وتسعين. وقيل: إنّه لم يرجع، بل اقتحم أرض جلّيقية واخترقها حتى انتهى إلى مدينة استرقة، فدوخ الجهة، وانصرف إلى طليطلة، والله أعلم. وقيل: إن طارقاً دخل الأندلس بغير أمر مولاه موسى بن نصير، فالله أعلم. قال بعضهم: وكانت إقامته في الفتوح وتدويخ البلاد إلى أن وصل سيّده موسى بن نصير سنة، وكان ما سيذكر.

وأنشد في " المسهب " وابن اليسع في " المعرب " لطارق من قصيدة قالها في الفتح:

ركبنا سفيناً بالمجاز مقيّرا ... عسى أن يكون الله منّا قد اشترى

نفوساً وأموالاً وأهلاً بجنّةٍ ... إذا ما اشتهينا الشيء فيها تيسّرا

ولسنا نبالي كيف سالت نفوسنا ... إذا نحن أدركنا الذي كان أجدرا قال ابن سعيد: وهذه الأبيات ممّا يكتب لمراعاة قائلها ومكانته، لا لعلّو طبقتها (٢) ، انتهى.

وأما أولاد غيطشة فإنّهم لما صاروا إلى طارق بالأمان، وكانوا سبب الفتح حسبما تقدم، قالوا لطارق (٣) : أنت الأمير أمير عظيم، فاستأذنوه باللّحاق بموسى بن نصير بإفريقية ليؤكّد سببهم به، وسألوه الكتاب إليه بشأنهم معه، وما أعطاهم من عهده، ففعل، وساروا نحو موسى فتلقّوه في انحداره إلى الأندلس بالقرب (٤)


(١) ك: زبرجد.
(٢) ق ط ج ودوزي: لعلو طبقته.
(٣) انظر ابن القوطية: ٢٩ - ٣٠.
(٤) في ق " بالعرب " وفي بعض الأصول " بالمغرب " ولعل الصواب " بالمغرب " وهو ما ثبت في ك ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>