للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليجلسه مكانه، فامتنع عليه ميمون، وقعد على الأرض، فقعد أرطباش معه عليها، وأقبل عليه قبلهم، فقال له: يا سيدي، ما الذي جاء بك إلى مثلي؟ فقال له: ما تسمعه، إنا قدمنا إلى هذا البلد غزاة نحسب أن مقامنا فيه لا يطول، فلم نستعدّ للمقام ولا كثّرنا من العدة، ثمّ حدث (١) بعدنا على موالينا وفي أجنادنا ما قد أيسنا معه من الرجوع إلى أوطاننا، وقد وسّع الله عليك، فأحب أن تدفع إلي ضياعاً من ضياعك أعتمرها بيدي، وأؤدي إليك الحق منها وآخذ الفضل لي طيباً أتعيش منه، فقال: لا أرضى لك بالمساهمة، بل أهب لك هبة مسوّغة، ثمّ دعا بوكيل له فقال له: سلّم المجشر (٢) الذي لنا على وادي شوش بما لنا فيه من العبيد والدواب والبق وغير ذلك، وادفع إليه الضيعة التي بجيّان، فتسلّم ميمون الضيعتين وورثهما ولده، وإليهم نسبت قلعة حزم، فشكره ميمون وأثنى عليه، وقام عنه. وقد أنف الصّميل من قيامه إليه، فأقبل على أرطباش وقال له: كنت أظنّك أرجح وزناً، أدخل عليك وأنا سيد العرب بالأندلس في أصحابي هؤلاء، وهم سادة الموالي، فلا تزيدنا من الكرامة على الإقعاد على أعوادك هذه، ويدخل هذا الصّعلوك فتصير من إكرامه إلى حيث صرت؟ فقال له: يا أبا جوشن، إن أهل دينك يخبروننا أن أدبهم لم يرهفك ولو كان لم تنكر عليّ ما فعلته، إنكم أكرمكم الله إنّما تكرمون لدنياكم وسلطانكم، وهذا إنّما أكرمته لله تعالى، فقد روينا عن المسيح، عليه السلام، أنّه قال: من أكرمه الله تعالى من عباده بالطاعة له وجبت كرامته على خلقه، فكأنّما القمه حجراً. وكان الصّميل أمّيّاً، فلذلك عرّض به، فقال له القوم: دعنا من هذا، وانظر فيما قصدنا له، فحاجتنا حاجة الرجل الذي قصدك فأكرمته، فانظر في شأننا، فقال له: أنتم ملوك الناس، وليس يرضيكم إلاّ الكثير، وها أنا أهب لكم مائة ضيعة تقتسمونها عشراً عشراً، وكتب لهم بها، وأمر وكلاءه بتسليمها


(١) ك: وحدثت، وفي بقية الأصول: ثم حدثت.
(٢) المجشر: المرعى.

<<  <  ج: ص:  >  >>