للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصخرة أبنيون (١) وحصن لوذون (٢) على وادي رودنة، فبعدوا عن الساحل الذي منه دخلوا جدّاً، وذكر أن مسافة ما بين قرطبة وأربونة من بلاد إفرنجة ثلاثمائة فرسخ وخمسة وثلاثون فرسخاً، وقيل: ثلاثمائة فرسخ وخمسون فرسخاً، ولمّا أوغل المسلمون إلى أربونة ارتاع لهم قارله (٣) ملك الإفرنجة بالأرض الكبيرة، وانزعج لانبساطهم، فحشد لهم، وخرج عليهم في جمع عظيم، فلمّا انتهى إلى حصن لوذون وعلمت العرب بكثرة جموعه زالت عن وجهه، وأقبل حتى انتهى إلى صخرة لوذون، فلم يجد بها أحداً، وقد عسكر المسلمون قدّامه فيما بين الأجبل المجاورة لمدينة أربونة، وهم بحال غرّة لا عيون لهم ولا طلائع، فما شعروا حتى أحاط بهم عدوّ الله قارله، فاقتطعهم عن اللجإ إلى مدينة أربونة، وواضعهم الحرب، فقاتلوا قتالاً شديداً استشهد فيه جماعة منهم، وحمل جمهورهم على صفوفه حتى اخترقوها، ودخلوا المدينة ولاذوا بحصانتها، فنازلهم بها أيّاماً أصيب له فيها رجال، وتعذّر عليه المقام، وخامره ذعر وخوف مدد للمسلمين، فزال عنهم راحلاً إلى بلده، وقد نصب في وجوه المسلمين حصوناً على وادي رودنة شكّها بالرجال فصيّرها ثغراً بين بلده والمسلمين، وذلك بالأرض الكبيرة خلف الأندلس.

وقال الحجاري في المسهب: إن موسى بن نصير نصره الله نصراً ما عليه مزيد، وأجفلت ملوك النصارى بين يديهن حتى خرج على باب الأندلس الذي في الجبل الحاجز بينها وبين الأرض الكبيرة، فاجتمعت الإفرنج إلى ملكها الأعظم قارله، وهذه سمة لملكهم، فقالت له: ما هذا الخزي الباقي في الإعقاب؟ كنا نسمع بالعرب ونخافهم من جهة مطلع الشمس، حتى أتوا من مغربها، واستولوا على بلاد الأندلس وعظيم ما فيها من العدّة والعدد بجمعهم القليل،


(١) ابنيون: (Avinionum) ، إلى الشمال من آرل على نهر الرون.
(٢) لودون: (Leon) .
(٣) Carlus Charle.

<<  <  ج: ص:  >  >>