للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلّة عدّتهم، وكونهم لا دروع لهم، فقال لهم ما معناه: الرأي عندي أن لا تعترضوهم في خرجتهم هذه، فإنّهم كالسيل يحمل من يصادره، وهم إقبال أمرهم، ولهم نيّات تغني عن كثرة العدد، وقلوب تغني عن حصانة الدروع، ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم، ويتخذوا المساكن ويتنافسوا في الرياسة، ويستعين بعضهم ببعض (١) ، فحينئذ تتمكّنون منهم بأيسر أمر، قال: فكان والله كذلك بالفتنة التي طرأت بين الشاميّين والبلديّين والبربر والعرب والمضريّة واليمانية، وصار بعض المسلمين يستعين على بعض بمن يجاورهم من الأعداء، انتهى.

وقيل: إن موسى بن نصير أخرج ابنه عبد الأعلى إلى تدمير ففتحها، وإلى غرناطة ومالقة وكورة ريّة ففتح الكل، وقيل: إنّه لمّا حاصر مالقة - وكان ملكها ضعيف الرأي قليل التحفظ - كان يخرج إلى جنان له بجانب المدينة طلباً للراحة من غمّة الحصار من غير نصب عين وتقديم طليعة، وعرف عبد الأعلى بأمره، فأكمن له في جنبات الجنّة التي كان ينتابها قوماً من وجوه فرسانه ذوي رأي وحزم، وأرصدوا له ليلاً فظفروا به وملكوه، فأخذ المسلمون المدينة (٢) عنوة، وملأوا أيديهم غنيمة.

وقيل: كانت نفس موسى بن نصير في ذلك كلّه تنزعج (٣) إلى دخول دار الكفر جلّيقية، فبينما هو يعمل في ذلك ويعدّ له إذ أتاه مغيثٌ الروميّ رسول الوليد بن عبد الملك ومولاه يأمره بالخروج عن الأندلس (٤) والإضراب عن التوغل فيها، وأخذه بالقفول إليه، فساءه ذلك، وقطع به عن إرادته؛ إذ لم يكن في الأندلس بلد لم تدخله العرب إلى وقته ذلك غير جليقية، فكان شديد الحرص


(١) الصواب: على بعض.
(٢) ك: البلد.
(٣) ق: فانزعج.
(٤) عن الأندلس: سقطت من ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>