للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرياسة ويخبّ، ويسعى في الفتنة ويدبّ، ولمّا ارتفع الوبال، وأدبر ذلك الإقبال، راسل أهل التقوى مستمدّاً بهم، ومعتمداّ على بعضهم، تحيّلاً (١) منه وتمويهاً، وتداهياً على أهل الخلافة وذويها، وعرض عليهم تقديم المعتدّ هشام، وأومض منه لأهل قرطبة برق خلّب (٢) يشام، بعد سرعة التياثها، وتعجيل انتكاثها، فأنابوا إلى الإجابة، وأجابوا إلى استرعائه الوزارة والحجابة (٣) ، وتوجهوا مع ذلك الإمام، وألمّوا بقرطبة أحسن إلمام، فدخلوها بعد فتن كثيرة، واضطرابات مستثيرة، والبلد مقفر، والجلد مسفر، فلم يبق غير يسير حتى جبذ (٤) واضطرب أمره فخلع، واختطف من الملك وانتزع، وانتقضت (٥) الدولة الأموية، وارتفعت الدولة العلوية، واستولى على قرطبة عند ذلك أبو الحزم، ودبّرها (٦) بالجد والعزم، وضبطها ضبطاً أمّن خائفها، ورفع طارق تلك الفتنة وطائفها، وخلا له الجوّ فطار، واقتضى (٧) اللّبانات والأوطار، فعادت له قرطبة إلى أكمل حالتها، وانجلى به نور جلالتها، ولم تزل به مشرقة، وغصون الآمال فيها مورقة، إلى أن توفّي سنة ٤٣٥ فانتقل الأمر إلى ابنه أبي الوليد، واشتمل منه على طارف وتليد، وكان لأبي الحزم أدب ووقار وحلم سارت بها الأمثال، وعدم فيها المثال، وقد أثبتّ من شعره ما هو لائق، وفي سماء الحسن رائق، وذلك قوله في تفضيل الورد (٨) :


(١) في المطمح: تخييلا.
(٢) المطمح: خلابة.
(٣) دوزي: فأنابوا إلى دعائه، وأجابوا إلى استرعائه.
(٤) ك: حيد؛ ط: جيد؛ ج: جهد.
(٥) ك: وانقرضت.
(٦) ك: ودبر أمرها.
(٧) ك: وقضى.
(٨) تابع المقري هنا خطأ الفتح في المطمح، وقد نبه ابن الأبار في الحلة (١: ٢٥٠) على هذا الخطأ، قال: أنشد أبو نصر الفتح بن عبيد الله افشبيلي في كتاب " مطمح الأنفس ومسرح التأنس في محاسن أهل المغرب والأندلس " في تأليفه أكثر هذه الأبيات والتي قبلها، ونسبها لأبي الحزم جهور بن محمد بن جهور رئيس قرطبة المتخر غلطاً منه ووهماً لإخفاء به وإنما هي لجده جهور ابن عبيد الله [بن أبي عبدة الوزير] . قلت: انظر ترجمة جهور أبي الحزم ف الحلة ٢: ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>