ولما تأذن جل جلاله في إقالة العثار، ودرك الثار، وأنشأت نواسم رضاه إدامة الاستغفار، ورأينا قلادة الإسلام قد آن انتثارها، والملة الحنيفية كادت تذهب آثارها، ومسائل الخلاف يتعدد مثارها، وجعلت الملتان نحونا تشير، والملك يأمل أن يوافيه بقدومنا البشير، تحركنا حركة خفيفة تشعر أنها حركة الفتح، ونهضنا نبتدر ما كتب الله تعالى من المنح، وقد امتعض لنا الكون بما حمل، واستخدم الفلك نفسه بمشيئته تعالى واكتمل، وكاد يقرب لقرى ضيفنا الثور والحمل، وظاهرنا محل أخينا السلطان الكبير الرفيع المعظم المقدس أبي سالم الذي كان وطنه مأوى الجنوح، ومهب النصر الممنوح - رحمة الله تعالى عليه - مظاهرة مثله من الملوك الأعاظم، وختم الجميل بالجميل والأعمال بالخواتم، وأنف حتى عدوالدين لنعمتنا المكفورة، وحقوقنا المحجوبة المستورة، فأصبح بعد العدوحبيباً، وعاد بعد الإباية منيباً، وسخر أساطيله تحضيضاً على الغجازة وترغيباً، واستقبلنا البلاد وبحر البشر يزخر موجه، وملك الإسلام قد خر على الحضيض أوجه، والروم مستولية على الثغور، وقد ساءت ظنون المؤمنين بالعقبى ولله عاقبة الأمور، والخبيث الغادر الذي كان يموه بالإقدام قد ظهر كذب دعواه، وهان مثواه، وتورط في أشراك المندمة تورط مثله ممن اتبع هواه، وجحد نعمة مولاه، فلولا أن الله، عز وجل، تدارك جزيرة الأندلس بركابنا، وعاجل أوارها بانسكابنا، لكانت القاضية، ولم تر لها من بعد تلك الريح العقيم من باقية، لكنا والفضل لله تعالى رفعنا عنها وطأة العدو وقد ناء بكلكل، وابتززناه منها أي مشرب ومأكل، واعتززنا عليه بالله تعالى الذي يعز ويذل، ويهدي ويضل، فلم نسامحه في شرط يجر غضاضة، ولا يخلف في القلوب مضاضة، وخصنا بحر الهول، وبرئنا إلى الله تعالى ربنا عن القوة والحول، وظهرت للمسلمين ثمرة سريرتنا، وما بذلنا في مصانعة