للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم كان الغزوإلى أم البلاد، ومثوى الطارف والتلاد، قرطبة، وما قرطبة المدينة التي على عمل أهلها في القديم بهذا الإقليم كان اعمل، والكرسي الذي بعصاه رعي الهمل، والمصر الذي له في خطة المعمور الناقة والجمل، والأفق الذي لشمس الخلافة العبشمية (١) الحمل، فخيم الإسلام بعقوتها (٢) المستباحة، وأجاز نهرها المعيي على السباحة، وعم دوحها الأشب بواراً، وأدار المحلات بسورها سواراً، وأخذ بمخنقها حصاراً، وأعمل النصر بشجر يصلها (٣) اجتناءً ما شاء واهتصاراً، وجدل من أبطالها من لم يرض انحجاراً، فأعمل إلى المسلمين إصحاراً، حتى فرغ بعض جهاتها غلاباً جهاراً، ورفعت الأعلام إعلاماً بعز الإسلام وإظهاراً، فلولا استهلال الغوادي، وأن أتى الوادي، فأفضت إلى فتح الفتوح تلك المبادي، ولقضى تفثه (٤) العاكف والبادي، فاقتضى الرأي ولذنب الزمان في اغتصاب الكفر إياها متاب، تعمل ببشراه بفضل الله تعالى أقتاد وأقتاب، ولكل أجل كتاب أن يراض صعبها حتى يعود ذلولاً، وتعفى معاهدها الآهلة فتترك طلولاً، فإذا فجع الله تعالى بمارج النار طوائفها المارجة، وأباد بخارجها الطائرة والدارجة، خطب السيف منها أم خارجة (٥) ، فعند ذلك أطلقنا بها ألسنة النار ومفارق الهضاب بالهشيم قد شابت، والغلات المستغلات قد دعا بها القصل فما ارتابت، وكأن صحيفة نهرها لما


(١) العبشمية: نسبة إلى عبد شمس.
(٢) العقوة: الساحة. وفي ق: بعقرتها.
(٣) ق: فأعمل النصر ... نصها؛ والمراد أن النصر حطم رماحها.
(٤) التفث في الحج: الحلق والتقصير وقص الأظفار ونحر البدن وغير ذلك مما يفعله الحاج إذا حل من إحرامه، والمراد أنه استوفى حجه، فكنى به لسان الدين عن بلوغ غاية الأرب.
(٥) أم خارجة: كانت سريعة الخطبة ولذلك قيل في المثل " أسرع من نكاح أم خارجة " وقد شبه قرطبة بها لتداول الغلبة عليها دهراً بعد دهر، وألمح ابن شهيد إلى هذا حين تغزل بقرطبة فقال:
زنت بالرجال على سنها ... فيا حبذا هي من زانية

<<  <  ج: ص:  >  >>