للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أضرمت النار في (١) ظهرها ذابت، وحيته فرت أمام الحريق فانسابت، وتخلفت لغمائم الدخان عمائم تلويها برؤوس الجبال أيدي الرياح، وتنشرها بعد الركود أيدي الاجتياح، وأغريت بأقطارها الشاسعة، وجهاتها الواسعة، جنود الجوع، وتوعدت بالرجوع، فسلب لتوقع الهجوم منزور الهجوع، فأعلامها خاشعة خاضعة، وولدانها لثدي البؤس راضعة، والله سبحانه يوقد بخبر فتحها القريب ركاب البشرى، وينشر رحمته قبلنا نشراً.

ثم تنوعت يا رسول اله لهذا العهد أحوال العدوتنوعاً يوهم إفاقته من الغمرة، وكادت فتنته تؤذن بخمود الجمرة، وتوقع الواقع، وحذر ذلك السم الناقع، وخيف الخرق الذي يحار فيه الراقع، فتعرفنا عوائد الله سبحانه ببركة هدايتك، وموصول عنايتك، فأنزل النصر والسكينة، ومكن العقائد المكينة، فثابت العزائم وهبت، واطردت عوائد الإقدام واستتبت، وما راع العدوإلا خيل الله تعالى تجوس خلاله، وشم الحق توجب ظلاله، وهداك الذي هديت يدحض ضلاله، ونازلنا حصني قنبيل والحائر (٢) ، وهما معقلان متجاوران يتناجى منهما الساكن سراراً، وقد اتخذا بين النجوم قراراً، وفصل بينهما حسام النهر يروق غراراً، والتف معصمه في حلة العصب وقد جعل الجسر سواراً، وفخذل الصليب بذلك الثغر من تولاه، وارتفعت أعلام الإسلام بأعلاه، وتبرجت عروس الفتح المبين بمجلاه، والحمد لله تعالى على ما أولاه.

ثم تحركنا على تفثة (٣) تعدي ثغر المواسطة على عدوة المساور في المضاجع، ومصحبه بالفاجئ الفاجع، فنازلنا حصن روطة الآخذ بالكظم، المعترض بالشجا اعتراض العظم، وقد شحنه العدومدداً بئيساً، ولم يأل اختياره رأياً ولا تلبيساً، فأعيا داؤه، واستقلت بالمدافعة أعداؤه، ولما أتلع إليه جيد المنجنيق،


(١) ق: حافي، ولعلها: حامي.
(٢) ق: والحوائر.
(٣) على نفثة: على أثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>