للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد برك عليه بروك الفنيق، وشد عصام العزم الوثيق، لجأ أهله إلى التماس العهود والمواثيق، وقد غصوا بالريق، وكاد يذهب بأبصارهم لمعان البريق، فسكناه من حامية المجاهدين بمن يحمي ذماره، ويقرر اعتماره، واستولى أهل الثغور إلى هذا الحد على معاقل كانت مستغفلة ففتحوها؛ وشرعوا أرشية الرماح إلى قلب قلوبها فمتحوها.

ولم تكد الجيوش المجاهدة تنفض عن الأعراف متراكم الغبار، وترخي عن آباط خيلها شد حزم المغار، حتى عاودت النفوس شوقها، واستتبعت ذوقها، وخطبت التي لا فوقها، وذهبت بها الآمال إلى الغاية القاصية، والمدارك المتصاعبة على الأفكار المتعاصية، فقصدنا الجزيرة الخضراء باب هذا الوطن الذي منه طرق وادعه، ومطلع الحق الذي صدع الباطل صادعه، وثنيه الفتح التي برق منا لامعه، ومشرف الهجوم الذي لم تكن لتعثر على غيره مطامعه، وفرضة المجاز التي لا تنكر، ومجمع البحرين في بعض ما يذكر، حيث يتقارب الشطان، ويتوازى الخطان، وكاد أن تلتقي حلقتنا البطان، وقد كان الكفر قدر قدر هذه الفرضة التي طرق منها حماه، ورماه الفتح الأول بما رماه، وعلم أن لا تتصل أيدي المسلمين بإخوانهم إلا من تلقائها، وأنه لا يعدم المكروه مع بقائها، فأجلب عليها برجله وخيله، وسد أفق البحر بأساطيله، ومراكب أباطيله، بقطع ليله، وتداعى المسلمون بالعدوتين إلى استنقاذها من لهواته، أوإمساكها من دون مهواته، فعجز الحول، ووقع بملكه إياها القول، واحتازها قهراً، وقد صابرت الضيق ما يناهز ثلاثين شهراً، وأطرق الإسلام بعدها إطراق الواجم، واسودت الوجوه لخبرها الهاجم، وبكتها حتى دموع الغيث الساجم، وانقطع المدد إلا من رحمة من ينفس الكروب، ويغري بالإدالة الشروق والغروب، ولما شكنا بشبا الله تعالى نحرها، وأغصصنا بجيوش الماء وجيوش الأرض تكاثر نجم السماء برها وبحرها، ونازلناها نذيقها شديد النزال، ونحجها بصدق الوعيد في سبيل الاعتزال، رأينا بأواً لا يظاهر إلا بالله تعالى ولا يطال

<<  <  ج: ص:  >  >>