للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممنعة يتحاماها الأبطال، وجناباً روضه الغيث الهطال، أسواقها فهي التي أخذت النجد والغور، واستعدت بجدال الجلاد عن البلاد فارتكبت الدور (١) ، تحوز بحراً من العمارة ثانياً، وتشكك أن يكون الإنس لها بانياً، وأما أبراجها فصفوف وصفوف، تزين صفحات المسايف منها أنوف، وآذان لها من دوامغ الصخر شنوف، وأما خندقها فصخر مجلوب، وسور مقلوب، فصدقها المسلمون القتال بحسب محلها من نفوسهم، واقتران اغتصابها ببوسهم، وأفول شموسهم، فرشقوها من النبال بظلالة تحجب الشمس فلا يشرق سناها، وعرجوا في المراقي البعيدة يفرعون مبناها، ونفوسها أنقاباً، وحصونها عقباً، ودخلوا مدينة إلبنة (٢) بنتها غلاباً، وأحسبوا السيوف استلالاً والأيدي اكتساباً (٣) ، واستوعب القتل مقاتليها السابغة الجنن، البالغة المتن، فأخذهم الهول المتفاقم، وجدلوا كأنهم الأراقم، لم تفلت منهم عين تطرف، ولا لسان يلبي من يستطلع الخبر أويستشرف.

ثم سمت الهمم الإيمانية إلى المدينة الكبرى فداروا سواراً على سورها، وتجاسروا على اقتحام أودية الفناء من فوق جسورها، وأدانوا إليها بالضروب من حيل الحروب، بروجاً مشيدة، ومجانيق توثق حبالها منها نشيدة، وخفقت بنصر الله تعالى عذبات الأعلام، وأهدت الملائكة مدد السلام، فخذل الله تعالى كفارها، وأكهم (٤) شفارها، وقلم بيد قدرته أظفارها، فالتمسوا الأمان للخروج، ونزلوا على مراقي العروج، إلى الأباطح والمروج، من سمائها ذات البروج، فكان بروزهم إلى العراء من الأرض، تذكرة بيوم العرض، وقد


(١) أي أنها وقعت في قضية دور (وهو من مصطلح المنطق) بسبب ما استعدت به من جدال المجالدة؛ ولا ريب أن التلاعب بمصطلح أهل المناظرة هنا واضح.
(٢) في ق: البنية؛ والمقصود أن هذه المدينة " إلبنة " هي بنت الجزيرة الخضراء اي هي من توابعها.
(٣) يقابل هنا بين الاحتساب - وهو ما كان لوجه الله تعالى - وبين الاكتساب.
(٤) أكهم: أكل عن الضرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>